وسيم النوستالجي‎
جاء دور العربان في تاريخ مصر كنغمة موسيقية نشاز في معزوفة تاريخية متباينة، ففي الصعود تجدهم وفي الانحدار ترى وجودهم، إذ ارتبطوا دائمًا بالقلاقل فبات أصلهم غير معروف لدى كثيرين.

قصة العربان في تاريخ مصر تبدأ من هنا

استقرار العربان في تاريخ مصر

بدأ وجود العربان في تاريخ مصر بعد دخول العرب لها حيث شجع كل ولاة المسلمين القبائل العربية على الهجرة إلى مصر والإقامة فيها لتعزيز العنصر العربي مع العنصر المصري الأصلي فحدث الاندماج بينهم وبين سكان مصر الأصليين.

ورغم كثرة القبائل العربية المختلفة في مصر لكن أغلبهم ظل مستمرًا على بيئته البدوية فتميزوا بكثرة التنقل والترحال خاصةً في مناسبات النيل؛ ويرسم الدكتور عبدالله خورشيد البري في كتابه «القبائل العربية في مصر في القرون الثلاثة الأولى»، أن النيل حين كان يغمر البلاد مدة الفيضان يرحل العربان فإذا انحسرت المياه تترك مستنقعات وأراضي مغطاة بالبردي والكلأ والحشائش الصالحة لرعي الإبل والخيل والأغنام والماعز فيتجهون إلى هناك للرعي والتجارة، فصار لهم تواجد لافت في الهرم والفيوم والبهنسا والبحرية.

فارس من العربان

القلاقل الرسمية بدأت مع العربان حين صاروا مجتمعًا داخل المجتمع فتميزوا بالقطعان الكبيرة من الإبل والخيل واستيلاءهم على الأراضي المتأثرة بفيضان وانحسار النيل فأسسوا قرى لهم أطلقوا عليها “نزلة” وهي مشتقة من النزول وتعني نزول العربان للأرض والتعامل معها، فوقعت بينهم وبين الفلاحين الأصليين حروب ومنازعات.

مع الأمويين والعباسيين

العربان

خلال عصر الأمويين والعباسيين بدأ تغير وضع العربان في تاريخ مصر حيث غيروا جلدهم من الاستيطان النيلي إلى الرحالة فكانوا يرحلون كثيرًا داخل الأقطار المصرية، فشهد عصر الوالي الأموي عبدالله بن الحجاب زمن هشام بن عبدالملك وجود 200 قبيلة عربية من بني النضر وبني سليم داخل مصر، ولما سقطت دولة الأمويين اتجهوا إلى الصعيد لكن الهوارة لم يسمحوا لهم بالاندماج، فهاجر نصف تلك القبائل إلى السودان زمن العباسيين.

العربان في الدويلات المستقلة .. ما قبل المماليك

المماليك

كان الهوارة في الصعيد لا يرحبون بالعربان بسبب مواسم الحج، فالهوارة ضيقوا عليهم الفلاحة فاتجه العربان لنهب الحجاج على أرض هوارة مما حول الصدام إلى حرب جعل العربان ينفرون من الصعيد ويهاجرون إلى سوريا والسودان حتى أعادهم الفاطميين للهجرة لمصر لتهديد أمنهم بالشام.

أما في العصر الأيوبي وخلال فترة الحروب الصليبية كان العربان يعملون بالدواوين حتى صار لهم وظيفة تختص بإدارة شئون قبائلهم وسمي المتولي أمر ملفهم بـ «الحمداني»، وذلك حتى لا يكونوا شوكة في ظهر الدولة.

العربان في تاريخ مصر ولعبة القط والفأر مع المماليك

المماليك والعربان

كانت لعبة القط والفأر هي شعار الشعور بين المماليك والعربان، فالمماليك خلال نصف دولتهم الأولى لم يكونوا من المحبين للعربان لشعورهم بالاستقلالية ورغبتهم في تأسيس دولة بدوية مستقرة.

أما العربان فاتجهوا إلى النهب وترويع الآمنين والحجيج لدرجة القتل، حتى قرر قانصوه الغوري تقريبهم من البلاط المملوكي فساهموا في سقوط دولة المماليك رغم أن بعضهم ساعد طومان باي مثل عربان بلبيس والشرقية.

العربان مع العثمانيين .. اللي تكسب به إلعب به

سليم الأول

بعد سقوط دولة المماليك وصعود العثمانيين، لم يهمل سليم الأول ملف العربان لكن القدر لم يمهله فمات وتولى بعده ابنه سليمان فوضع قانون نامه سليمان والذي منح العربان صلاحيات واسعة في الزراعة وجباية الضرائب وحماية الأمن في مناطقهم عدا ما يخص الهوارة والذين كانوا على صلات قوية بالعثمانيين منذ عهد سليم الأول، فحدد القانون صلاحيات للعربان في كل ربوع مصر عدا جنوبها إذ كان بحوزة الهوارة، فلجأ العربان إلى نهب الحجاج في عمليات استمرت من العصر العثماني حتى عهد عباس حلمي الثاني ويعطي كتاب «مرآة الحرمين» لأمير الحج المصري إبراهيم باشا رفعت تأكيدًا على ذلك.

العربان الآن

محمد علي باشا

لم تترك الدولة المصرية مشكلة العربان بلا حل، فسعت لسياسة التوطين والتجنيس لكبح جماح التمرد والقلاقل وجعلهم تحت راية الدولة وهي السياسة التي نفذها محمد علي باشا بمنتهى القسوة حتى رضخوا لها باستثناء متمرديهم.

واستمرت سياسة التوطين حتى عهد الخديوي إسماعيل حين جعل البرلمان يهتم بهم ليدخلوا العمل السياسي لاحقًا داخل مصر ليكون أبرزهم حمد باشا الباسل «شيخ قبيلة الرماح» أحد الأربعة الذين وكّلهم الشعب المصري مع سعد زغلول في قضية الاستقلال؛ وبقي متمردي العربان يتدخلون في الحياة السياسية كعنصر داعم للقلاقل مثل ثورة عرابي حتى قضت ثورة يوليو على تواجدهم فصاروا مجرد عائلات لها صيت دون حركة لافتة وهم المعروفون الآن في مصري'>المجتمع المصري بـ «العرب».
نقلا عن الميزان