مفيد فوزي
■ ليس عن عنجهانية أو نرجسية أكتب تعريفاً دقيقاً لما أرى أو أؤمن أو أعتقد، فظنى أن القارئ لسطورى لديه الشغف ليعرف كاتبه فى لحظة بوح.
■ أنا مصرى قبطى بالتاريخ والجغرافيا وانتمائى لتراب هذا الوطن، ليس بإلحاح أغان وطنية أو شعارات حماسية إنما هو تجذر فى الجينات والملامح.
■ صناعتى الكتابة، والكلمة عندى للتغيير أو التفجير، ولا أعرف الكتابة بالشوكة والسكينة ولا المقالات المملاة، ورقيبى الذى يحدد الخطوط الحمراء هو ضميرى.
■ أعيش فى نظام سياسى قوى يرأسه قائد جسور أنهى حكم الإخوان ونزلت مصر تقف خلفه وفى ظهره إذ كان السيسى هو الرئيس «الضرورة» وصار الرئيس «الأمل».
■ أعلم جيداً أن بلدى يواجه إرهاباً غادراً ومؤامرات تحاك فى غرف سوداء، وأعلم أن عين الدولة على الداخل مثلما تراقب أى تحرك مشبوه. أعلم أن مصر مستهدفة كلما حققت خطوات على الطريق. نحن فى حالة حرب مستمرة دون إعلان وعلى سن قلمى نداء بالحذر والانتباه ونوبة صحيان دائم.
■ أقر بأن أقباط مصر يعيشون فى أمان مطلق كان مفتقداً زمن الإخوان، لم تعد هناك مشاكل كنائس أو إيبارشيات، وفى عاصمة مصر الإدارية كنيسة مهيبة تجاور مسجداً يعانقها. ورئيس مصر يزور الكنيسة فى أعيادها ولا يهاب.
■ اهتمامى مركز فى رفع منسوب الوعى، فهو- وليس الصبر- طوق النجاة. الوعى يلقى بالشائعات المغرضة فى سلة مهملات. الوعى يفند الافتراءات. الوعى يستوعب ما يفعله رئيس البلاد من أجل البلاد. الوعى هو الحاكم للعقول فى رشدها. والرهان على الوعى لا يخسر، فى أمة تضربها الأمية فى مقتل. من هنا حلمت باستديو الوعى أسوة باستديوهات التحليل الكروى. حلمت باستديو الوعى ليبث قيم المواطنة والرشد السياسى بأبسط الأساليب لتصل إلى عموم بر مصر.
■ أغضب- ككاتب- من قصر الفهم أو سوء الفهم، أنا مع توفيق الحكيم يوم قال «إن باب الاجتهاد فى الرأى واسع، وعقول بعض الناس هى الضيقة». إن سوء الفهم يغرس ألماً فى صدرى ويجعلنى غاضباً بعقل وليس عاطفياً. إن الخطأ وارد بشرياً. والرئيس الفرنسى داستان قال «إن نسبة خطأ ما واردة ولا نعلق المشانق لمن يخطئ. فقط ننصره بالحقيقة». هكذا يفهم العالم المتحضر مفهوم الخطأ، إنه «رؤية» مختلفة ليس إلا.
■ أحمل هموم وطنى فى رأسى وتستهلك مداد الحبر كله وأنا منذ كنت أقدم «حديث المدينة» لناس مصر، «مشتبك» مع المجتمع بكل طبقاته. مع مشاكله وآلامه وأوجاعه. ولا أقيم وزناً لمحطات تليفزيون الأعداء حين تنقل رأياً أو تحقيقاً عن مشكلة مصرية. لا يهمنى التعقيب ولا التعليق. وإلا صارت أوجاع مصر كما هى، دون اقتراب منها، فتكبر وتتغلغل فى المفاصل، لأن محطة من محطات الأوغاد ستنقل الوقائع!
■ دائماً أقول: أعداؤك يا وطنى من «يعرضون» أمراً مهماً على مسؤول أو وزير أو محافظ أو رئيس جهاز. العرض الأمين موصل جيد للحل. والعرض الناقص أو المستخف موصل سيئ للحل. أعداؤك يا وطنى فى الإدارات الوسطى التى تقع بين رئيس العمل وموظف الأرشيف. هؤلاء لديهم القدرة على تجميد أو ترحيل أو تبديد المشكلة، فتظل المشكلات «تبلبط» فى بركة إدارية، وتغلى صدور الناس، وهذا ما يعبر عنه د. صبرى الشبراوى فى «جدوى الإدارة فى مصر».
■ أنا أحب الفن وأهواه. وقد تأخذنى قصيدة لأم كلثوم أو مسرحية لسميحة أيوب أو غنوة عاطفية لعبدالحليم حافظ أو حوار مذاع ليوسف إدريس. وقد ساهمت كثيراً على شاشة التليفزيون وقدمت حوارات الوعى وغذاء الوجدان. وظنى أن التليفزيون «أب» ثان تربوياً ووطنياً ومنهجياً ولا بد لهذا الأب أن يبث فضائل وفكاهة وحوارات تتمتع بالجرأة وتخاصم الجبن. وأحلم بخريطة جديدة للإذاعة التى تصاحب الناس فى سياراتهم.. فيها معلومات عبر الأغانى وفيها لمحات صحية وتغذية. فالأغانى وحدها لا تصنع مواطناً نتمناه وعياً وذوقاً. وأنا مع تجارب الشباب الجديدة حتى يكتشف أنها تنطوى على موهبة، فنطلق لها العنان كما يقول د. مصطفى سويف.
■ لا أؤمن بمقالات «سد الخانة». إنها تطير وتتبخر. وظنى أن المقال الذى يدعوك للتفكير أو حتى التكفير، جدير بالعقول الكبيرة. إن مهنة الكاتب هى أسمى مهنة فى الصحافة، ولكن أى كاتب؟ كان الإخوان يوظفون كتّاباً للدعوة، وكان الشيوعيون يبشرون بالنظرية. أما الكاتب «المصرى»، فتوجهاته مصرية وهمومه مصرية وأوجاعه مصرية. لا يوجد كاتب شجاع أو غير شجاع ولكن يوجد كاتب أمين أو غير أمين، الكتابة أمانة عندما تكتب بسن قلم مخلص منتمٍ بلا أجر أو خواطر. حتى الكتابة الصادمة هى نزع القشرة عن الحقيقة. من حق رئيس التحرير وحده ما دام مهنياً وينتمى للمهنة أن يناقشنى فيما أكتب أو أتناول. والصدمة فى مقال هى الإفاقة بعد طول إغماء. والصحافة الساكتة أو المهجنة هى صحافة موت وأشباح. الصحافة تزدهر بالحرية حيث تزف الكلمة الحقيقة المجردة. ويا ويل أمة صحافتها لا تتنفس الهواء الطلق ومعرضة للاختناق!
■ فى زمن عبدالناصر، كنت «أخاف» وقد أوذيت بالفصل لأنى ذكرت الحقائق بمستندات. وفى زمن السادات كنت حذراً مدركاً أن التأويل أو التفسير قد يضرنى. وفى زمن مبارك كنت أكتب بعقلانية ولم تمنعنى هذه العقلانية أن أكون صادقاً. وكان بعض الرموز يشكون لمبارك منى. مثل يوسف والى- يعطيه الله الصحة- وكمال الشاذلى- رحمه الله- وكان مبارك يعاتبنى بطريقته الخاصة ولكنه لم يمنع مقالاً لى. أما فى زمن الإخوان، فكان الخوف كله من إيذاء بدنى. هكذا كنت أشعر ومشيت جنب الحيط وحلمت بالتخلص من هذا العهد، حتى جاء الجسور عبدالفتاح السيسى فقوض دولتهم!
وفى زمن السيسى لا أخاف ولم يمنع لى مقال. حتى ذلك الذى أحدث دوياً وهو مقال «شىء من الخوف» نشر فى «المصرى اليوم» ولم تحذف منه كلمة، أى كلمة! ناهيك عن رد فعله، وأنا لا ألتفت لشتائم دافعها الحقد ومؤجرة، ولكن خالد صلاح كان متحضراً فى فهم دوافع المقال وهى من منصة وطنية خالصة وجمعنى مع زملاء المهنة فى نقاش حضارى، أشيد به وهو نمط محترم يخلو من السوقية الرخيصة، وتكلمت فى «اليوم السابع» أشرح وجهة نظرى دون عناد يركب رأسى لأننا كلنا فى سفينة واحدة تتعرض للعواصف والزلازل! قلت ما أعتقد، ونشر الرأى دون نقصان، وعبرت عن حلمى أن يكون التليفزيون إحدى أدوات التنوير عند السيسى. ونسيت التطاول وهو «أفعال صبيانية» وبقى المحتوى الراقى: كيف تتحول الشاشة إلى سلاح وعى وتنوير؟.
■ سأكتب ما أعتقد أنه صواب ولست أدعى أنه الصواب الأمثل، ولى رئيس تحرير من حقه- وحده- أن يناقشنى فى محتوى المقال كما تقول الثوابت الصحفية، ولى نقابة أحتكم إليها، ولا أحد آخر سوى ضميرى الوطنى له الحق فى جدوى المحتوى. على الطرف الآخر والمهم دولة قوية ثابتة، وجبل ما يهزه ريح ونظام مؤسسى كامل الأوصاف وقانون يحكمنا جميعاً ورئيس واحد لنا جميعاً، رئيس نثق فى ضميره الوطنى. رئيس غامر بحياته حين وضع الإخوان فى خانة اليك. رئيس يبتغى مصر أخرى بسواعد مصرية. رئيس مسلم وسطى معتدل يملك ودًا لأقباط البلد. رئيس محل احترام العالم وقادته. رئيس انتبه لقارة إفريقيا ونحن جزء منها، وفى وجود هذا الرئيس الضرورة والأمل والمستقبل.. مصر تستحق إعلاماً أفضل يكون إحدى ركائزه بذكاء وليس بشعارات زاعقة. مصر «المائة مليون» تستحق شاشة مضاءة بالأفكار وثابة بالقضايا غنية بالمعلومات ثرية بالمواطنة ترفل فى حرية مسؤولة وتستحق صحافة مستنيرة تفتح أبواباً مغلقة وربما تقدم المسكوت عنه، صحافة هى مصابيح على الطريق، نزهو بها فى زمن يجىء بعد ثورات شعب ناضج.
نقلا عن المصري اليوم