تحمل البطاقات البريدية للبلدة القديمة في القدس رسما لأسوارها التي تعانق السماء، وتحيط بها أشجار الزيتون، لكن هذه التفاصيل ربما ستتغير قريبا لتضاف إليها القاطرات المعلقة "التلفريك" وأعمدة التحكم الخاصة بها.
وافقت إسرائيل على مشروع بقيمة 200 مليون شيكل (57 مليون دولار)، لنقل الزائرين من غرب المدينة إلى قطاعها الشرقي الذي ضمته إسرائيل، والذي تقع فيه مواقع أثرية عدة لأهم الديانات التوحيدية.
يقول القائمون على المشروع إن هدفه ينحصر بتخفيف الازدحام المروري والتلوث الذي يصاحبه بسبب التدفق المتزايد للسياح.
ووفقا لأرقام وزارة السياحة الإسرائيلية، فقد تضاعف عدد زوار المدينة المقدسة والمتنازع عليها في أقل من خمس سنوات ليصل إلى أربعة ملايين زائر في العام 2019.
قال وزير السياحة الإسرائيلي ياريف ليفين في مايو 2018 عندما تمت الموافقة على الخطة، سيغير مشروع "التلفريك" وجه القدس مما يتيح للسياح والزائرين الوصول السهل والمريح إلى الحائط الغربي". والحائط الغربي أو حائط المبكى (البراق عند المسلمين) الواقع جنوب باحات المسجد الأقصى هو أقدس الأماكن لدى اليهود، كما أنه قريب من كنيسة القيامة.
وينوه علماء آثار ومهندسون معماريون ومخططو مدن إلى أن المخطط - إذا اكتمل - سيكون آفة تهدد جمالية ومعمارية التراث القديم للقدس.
واحتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، وضمّتها لاحقاً في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. تعتبر إسرائيل القدس بشقيها عاصمتها الموحدة، في حين يريد الفلسطينيون إعلان القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية.
ومن المخطط له أن يبدأ تشغيل الخط البالغ طوله 1,4 كيلو متر بحلول عام 2021، على الرغم من اعتراضات مقدمة إلى المحكمة العليا حوله.
فوق رؤوسنا
يفترض أن تكون محطة السكك الحديدية التي تعود إلى الحقبة العثمانية - التي لم تعد تعمل في القدس الغربية -، محطة انطلاق التلفريك، ستستوعب محطة زجاجية مكونة من طبقتين 3000 مسافر في الساعة.
ستكون المحطة الأولى في جبل صهيون، وهو موقع لمبنى قديم، حيث يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح وتلاميذه التقوا فيه للعشاء الأخير، وهو المكان نفسه الذي يقدسه اليهود على اعتبار أنه مكان دفن الملك التوراتي داوود.
من جبل صهيون، ستمر القاطرات المعلقة فوق بلدة سلوان، التي تعتبر مركزا للنزاع بين سكانه الفلسطينيين الذي يشكلون الغالبية، والمستوطنين.
يمتلك الفلسطيني ابو إبراهيم بقالة صغيرة على الشارع الرئيس في البلدة، ولا تبعد البقالة سوى مئات عدة من الأمتار عن أسوار البلدة القديمة. يقول أبو إبراهيم "عادة ما يوضع التلفريك فوق مساحات خالية وليس فوق رؤوس الناس".
في سلوان، سيمر التلفريك فوق حوالى 60 منزلا، على ارتفاع يصل في بعض النقاط إلى 14 مترا فوق أسطح المنازل.
مدينة ملاه
ستكون المحطة التي تلي سلون بالقرب من الحائط الغربي في مجمع سياحي متعدد الطبقات، يتم تمويل بنائه من قبل جمعية "إلعاد" الاستيطانية التي تسعى إلى زيادة الوجود اليهودي في القدس الشرقية الفلسطينية بشكل رئيس.
يترقب المرشد السياحي ميشيل سيبان تشغيل التلفريك الذي يقول إنه سيسهل الوصول إلى المدينة القديمة المزدحمة بالسكان والممرات الضيقة. ويضيف "أصبح من المستحيل على المرشدين الوقوف، لا يمكن إلا للحافلات الاقتراب وإنزال السائحين".
أما معارضو المشروع، فيرون أن الأعمدة الفولاذية وعددها 15، وحجرة التلفريك التي تتسع لـ 72 شخصا، ستخفي موقعا رئيسا في تاريخ البشرية.
أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" مدينة القدس وأسوارها كموقع للتراث العالمي، في حين تعتبر إسرائيل ضواحيها المتمثلة بجبل الزيتون وجبل صهيون ومدينة داوود جزءا من حديقة أسوار القدس الوطنية.
يقول المهندس المعماري غافرييل كيرتسز الذي أدار العديد من المشاريع حول أسوار المدينة القديمة "حتى الآن توفر هذه المنطقة مشهدا خاصا للمدينة القديمة وأسوارها، وتعتبر مكانا مقدسا محميا من قبل هيئة الحديقة الوطنية".
واحتج 70 معماريا الى جانب علماء وأكاديميين إسرائيليين في خطاب مفتوح أمام المحكمة قبل اعتماد المشروع، معتبرين "القدس ليست ديزني لاند (مدينة ملاهي)، فالمناظر الطبيعية والتراث ليس للبيع"، وفق ما يفيد الناطق باسم أهالي سلوان، فخري ابو دياب.
تهويد القدس
طلب 30 من المهندسين المعماريين والأكاديميين الدوليين البارزين من الحكومة الإسرائيلية التخلي عن الخطة، وكتبوا في عريضة أن "اختيار التلفريك ليس مناسبا للمدن القديمة التي تتمتع بمشهد خاص منذ مئات أو آلاف السنين".
من جهتها، نددت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي بالمشروع الناشئ باعتباره محاولة لفرض الوجود الإسرائيلي في القدس الشرقية و"انتهاكا واضحا للطبيعة الثقافية والتاريخية والروحية والجغرافية والديموغرافية للقدس" .
ووجدت وجهة النظر الفلسطينية مؤيدين لها من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية مثل منظمة "عيمك شافيه" التي تعارض استخدام علم الآثار لأغراض سياسية.
ويقول مدير المنظمة يوناتان مزراحي "أصبح صناع القرار مهووسين بتهويد المدينة وهم ينسون حماية القدس التي يحبونها كثيرا".
يضيف "أولئك الذين ينادون بكل ما هو خاص وفريد بالقدس يعارضونها من اليسار إلى اليمين".