فاطمة ناعوت
(أيها السيداتُ والسادة، نحن اليومَ، على شرفِ حدثٍ تاريخىٍّ عظيم، مُدونٍ بحروفٍ من نور فى كتابِ مصرَ الثرىّ. حدثٌ تتيهُ به مصرُ خُيلاءً بين دول هذا الكوكب. حدثٌ يُعدُّ دُرَّةً بين اللآلئ المعقودةِ فى تاجِ مصرَ البهىّ، جعل العالَمَ مشدوهًا يتساءلُ: أىُّ سِرٍّ فيكِ يا مصرُ ليُميزكِ اللهَ بذاك الشرفِ، دون سائر أراضينا؟! شرف أن تزورنا العذراءُ مريم حاملةً طفلَها لتمكثَ فى ربوع أرضنا قرابة السنوات الأربع.
إنه سرُّ مصرَ الخاصُّ الذى ذكره القرآنُ قائلًا: «ادخلوا مصرَ إن شاءَ اللهُ آمنين». وذكره السيدُ المسيح عليه السلامُ، قائلًا: «مباركٌ شعبى مصرُ»، جاعلًا مصرَ وطنَه، وجاعلنا، نحن المصريين، شعبَه المختار، وهو تكريمٌ لنا من رسول السلام، الذى كان يجولُ يصنعُ خيرًا ولم تمسسهُ الخطيئةُ ولا نخسَه الشيطانُ. استقبلته مصرُ طفلًا، وضمَّتْ حول جسدِه النحيلِ ذراعيها لتخبئَه من قاتلِ الأطفال هيرودس.
فرحتْ مصرُ بزيارة العائلة المقدسة، فأمرتْ ترابَها الطيبَ أن يُنبتَ زهورَ البيلسان حيثما حطّتِ العذراءُ قدميها الطاهرتين. وتفجّرتْ ينابيعُ الماءِ العذبِ فى كلِّ جدبٍ جافٍّ وطئته، كلّما مسَّها الظمأ.
أيها السادةُ، نحن على شرف حدثٍ بهىّ يفخرُ به المصريون كافةً، أنْ فضّلَ اللهُ أرضَنا على الأرضين، واختارها لتكونَ ربوةً ذاتَ قرار ومعين تصديقًا لقوله تعالى: «وجعلنا ابنَ مَريمَ وأُمَّه آيةً وآويناهما إلى ربوةٍ ذاتِ قرارٍ ومعين».
أيها الحضورُ الكريم. لقد بدأتُ الكتابةَ حول هذا الامتياز التاريخى لأرضنا منذ عام 2003. كلَّ عام فى الأول من شهر يونيو: موعد الزيارة المقدسة لأرضنا، أكتبُ مقالًا أناشد فيه الدولة المصرية الاهتمام بذلك الحدث التاريخىّ الفريد. وأناشد المسؤولين تدشين ذلك اليوم عيدًا قوميًّا مصريًّا، فحين جاء مصرَنا المسيحُ طفلًا وغادرنا طفلًا لم يكمل الرابعة من عمره، لم تكن هناك مسيحيةٌ ولا إسلام. لكن مصرَ كانت دائمًا هناك. وكان شعبُها الطيب الذى لا يرد زائرًا. واليومَ أكررُ مناشدتى لكى نفتتح شهر يونيو بعيد سماوىّ: عيد تشريف أطهر نساء العالمين التى أفرد لها القرآنُ سورة كريمة باسمها، ونختتمه بعيد شعبى هو ثورتنا العظيمة فى 30 يونيو. وبهذا نكون قد أغلقنا القوسَ فى ذلك الشهر الطيب. واليومَ أشكرُ الدولة المصرية والرئيس السيسى والمسؤولين لاهتمامهم بتدشين مسار العائلة المقدسة رحلةً سياحية رسمية يجرى الآن العملُ على إخراجها على النحو الأبهى).
كانت هذه كلمتى يوم 24 يونيو الماضى على خشبة مسرح «المنارة»، لافتتاح حفل أوبرا «مصر الطريق»، بحضور قداسة البابا تواضروس الثانى ورجال الأزهر الشريف، ووزير الآثار، نائبًا عن الرئيس، ووزراء السياحة والتضامن والثقافة والشباب وسفراء العالم والمحافظين وأعضاء البرلمان، وحشد من أبرز الشخصيات العامة فى المجتمع المصرى من أدباء وفنانين ودبلوماسيين وإعلاميين. «مصر الطريق» أوبريت أوركسترالى رفيع المستوى، وضع موسيقاه ووزعه وقاد الأوركسترا المايسترو «جورج قلته»، وكتب كلماته «نور عبدالله» و«ريمون قلته»، وغرَّدت فيه السوبرانو «أميرة رضا»، وشدا فيه «كورال أطفال صوت الملائكة»، بكنيسة العذراء بالزيتون، بقيادة المايسترو «مينا رؤوف»، وصمَّم رقصاته «ممدوح حسن»، ونسّقه فنيًّا «فيكتور فاروق»، وأخرجه المخرج «محمد حمدى».
أنتج هذا العرضَ الضخم رجلُ الأعمال المثقف «منير غبور»، وقدّمه لمصر هديةً تخليدًا لتاريخها الفريد. واليوم يجوب به البلادَ، لكى يتعرَّف العالمُ على عظمة مصر التاريخية والأثرية والدينية والفنية والسياحية.
الخميس القادم 19 ديسمبر، يحلُّ عرضُ أوبرا «مصرُ الطريق» ضيفًا على مسرح «باليه دو كونجرى»، أحد أكبر مسارح باريس الفرنسية، بتمويل من جمعية «نهرا لإحياء التراث المصرى»، التى سخَّرها مؤسِّسُها «منير غبور» لإعلاء اسم مصر وإحياء تراثها التاريخى العظيم، موليًا كاملَ اهتمامه لتسليط الضوء على مسار العائلة المقدسة خلال السنوات الأربع التى قضتها على أرض مصر، وتطوير جميع النقاط التى حطّت فيها العذراءُ رحالَها على أرضنا، من رفح وحتى أسيوط، ذهابًا وإيابًا.
بعد حفل باريس الوشيك، الذى سيعزف فيه الفنانان المصريان العظيمان: «إيناس عبدالدايم» على الفلوت، و«رمزى يسّى» على البيانو، سوف تطرقُ «مصر الطريق» أبوابَ روما بدعوة من بابا الڤاتيكان، ثم نيويورك، وبقية مدن العالم بإذن الله. شكرًا لمصرَ الطيبة، وشكرًا لمَن يحبُّها. «الدينُ لله، والوطنُ لمَن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم