طارق الشناوي
قبل نحو عام أعد الجهاز القومى للتنسيق الحضارى لوحة تتصدر مدخل عمارة الفنانة الكبيرة شادية، للدولة مشروعها الذى يتبناه رئيس الجهاز المهندس محمد أبو سعدة منذ ثلاث سنوات، وعنوانه (عاشوا هنا)، من أجل التعريف برموز الإبداع والعطاء فى مصرنا المحروسة.
المفاجأة التى لم تكن فى الحسبان، أن صاحب العمارة الكائنة فى حى الجيزة أمام حديقة الحيوانات رفض وضع اللوحة، وعلى مدى أكثر من عام لا يزال متعنتًا، الحجة المعلنة أن العمارة كان يقيم بها عدد من الوزراء ووكلاء الوزارة وهم من وجهة نظره أهم من شادية، وأنا قطعًا لا أقلل من حجم ولا عطاء أى مسؤول قدم شيئًا للوطن، ولا توجد مهنة ولا وظيفة تقع فى المرتبة الثانية، الكل يستحق منا التبجيل والاحترام، إلا أن الهدف من هذا المشروع هو أن يعرف الناس الأماكن التى عاش فيها العمالقة من فنانين وأدباء ولاعبى كرة وصحفيين وعدد من رجال الدين من المسلمين والأقباط الذين ارتبطوا بوجدان الناس وغيرهم، ولهذا ينتقى أسماء من عاشوا فى تلك العمارات.
لماذا يتعنت صاحب العمارة؟ هو لم يقل صراحة إنه يرفض أن توضع يافطة شادية لأنها فنانة، اكتفى فقط أن هناك من هم أجدر منها؟ الأهمية (ترمومتر) مطاط، ولكنها تقع فى النهاية تحت مظلة النظرة الدونية للفن، باعتبار أن الحاجة شادية أهم عنده من شادية'> الفنانة شادية.
القانون لا يلزم صاحب عقار بوضع يافطة فى المدخل، وعندما قررت الدولة البدء فى المشروع لم تضع فى الحسبان أن هناك من سيرفض، أو يضع العراقيل والحجج التى تحول دون التنفيذ، الموقف فى حدود علمى لم يسبق أن واجه القائمين على هذا المشروع فهى السابقة الأولى، إلا أنها تدعونا للتفكير، ماذا لو اعترض أصحاب العمارات الكبرى التى ارتبطت بعدد من الفنانين عبر التاريخ، هل نُحطم اللوحة؟.
لديكم مثلا (الإيموبيليا) التى قطن بها نجيب الريحانى وأنور وجدى وليلى مراد ومحمود المليجى وعبد العزيز محمود والمخرج كمال الشيخ، الذى كان يقيم فى المنزل رقم 13، وأطلق على فيلمه الروائى الأول كما ذكر لى (المنزل رقم 13) الذى لعبت بطولته فاتن حمامة تيمنًا به، رغم أن الأغلبية تتشاءم من (13)، هناك طبعا من عاشوا مراحل من عمرهم فى تلك العمارة مثل كمال الطويل وماجدة الصباحى وأسمهان وغيرهم، ولديكم (ليبون) بالزمالك وهى الأشهر التى كان من سكانها فاتن حمامة وعمر الشريف وليلى فوزى وزوجها الإذاعى جلال معوض وسامية جمال ورشدى أباظة وشريهان وعمر خورشيد ومحرم فؤاد وغيرهم، وبالمناسبة تقرر أن توضع أسماء كل هؤلاء فى يافطة واحدة، لأنه من المستحيل أن يشغل كل منهم يافطة، أيضا (بلمونت) وهو نوع من السجائر كان مشهورًا فى الخمسينيات وقت تشييد العمارة، التى واجهت اعتراضات بسبب ارتفاعها إلى 35 طابقًا، وكان يعد حالة استثنائية، من أشهر سكان العمارة شريفة فاضل والسيد بدير ومحمد فوزى. الدولة تسعى لإنعاش ذاكرة المصريين بهؤلاء الرواد الذين منحوا الكثير للوطن، ولم يتنصلوا أبدًا من الفن، مثل شادية التى نفذ الورثة وصيتها بأن يسبقها على باب الجامع فى العزاء اسم شادية'> الفنانة شادية، وليس الحاجة شادية كما أراد المتزمتون!!.
نقلا عن المصرى اليوم