حذرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم من أن بعض تعديلات قانون رعاية المريض النفسي التي تقدمت بها الحكومة، خصوصًا المتعلقة بالعلاج بالصدمات الكهربائية، تنتهك حقوق المريض النفسي في العلاج وفي السلامة الجسدية كما تتعارض مع عديد من الاتفاقيات والمبادئ والقرارات والتوصيات الدولية وتخالف التزامات مصر الدولية بموجب هذه التعهدات، كما تتعارض مع توصيات منظمة الصحة العالمية ومع التقاليد الطبية المستقرة، وطالبت المبادرة بعدم قبول هذه التعديلات.
وأكدت المبادرة أن عددًا من أساتذة واستشاري الطب النفسي البارزين في مصر وفي الخارج بمن في ذلك المديرة السابقة لبرنامج الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية، وكذلك رئيس جمعية الطب النفسي العالمية أعربوا عن قلقهم العميق من هذه التعديلات، وشرحوا أسباب هذا القلق في خطاب موجه إلى الأمين العام للصحة النفسية وإلى رئيس لجنة الصحة في مجلس الشعب، طالبين اعتبار هذه الأسباب عند مناقشة التعديلات.
كانت الحكومة قد تقدمت في 7 نوفمبر 2019 بمشروع لتعديل بعض مواد قانون رعاية المريض النفسي رقم 71 لسنة 2009 إلى مجلس الشعب ، ووافق المجلس من حيث المبدأ وحاليًّا تناقش لجنة الصحة بمجلس الشعب هذه التعديلات.
أخطر هذه التعديلات هي المتعلقة بالمادة 28 التي تنظِّم قواعد العلاج الإجباري بما في ذلك العلاج الكهربائي، توجب هذه المادة في القانون الحالي عدم إعطاء المريض النفسي، الذي أدخل على غير إرادته، أي نوع من العلاج بما في ذلك العلاج الكهربائي قبل إجراء تقييم مستقل لمراجعة رأي الطبيب المعالج يقوم به طبيب من المسجلين لدى مجالس الصحة النفسية وذلك خلال 24 ساعة، مع إعطاء المريض علاجًا للطوارئ إلى حين إتمام التقييم. يهدف هذا الإجراء، الذي يتوافق مع الممارسات الطبية المستقرة إلى حماية المريض النفسي والتأكد من أن احتجازه وعلاجه على غير إرادته، أمر ضروري طبيًّا، ما يقلل من فرص الخطأ أو التجاوز كما يحمي الطبيب من شبهات سوء استخدام السلطة.
بينما التعديل المطروح يعطل هذا التقييم المستقل ويجيز "عند اللزوم إعطاء المريض جلستين لتنظيم إيقاع المخ إلى حين إجراء التقييم المنصوص عليه… ووفقًا للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون".
ترى المبادرة أن التعديل يحمل عديدًا من أوجه الخطر، والخطأ أيضًا، بداية من استخدام مسمى "علاج تنظيم إيقاع المخ"، بدلًا من مصطلح "العلاج الكهربائي" ، وهو مسمى لا أساس له في الأدبيات العلمية المعروفة، وبالتالي فهو مسمى "زائف ومضلل واستخدامه لا أخلاقي" كما جاء نصًّا في مخاطبات الخبراء النفسيين للبرلمان وللحكومة.
يفتح هذا التعديل باب إساءة استخدام العلاج الكهربائي على مصراعيه عن طريق تقنين الاستثناء من اتخاذ إجراءات التقييم المستقل في العلاج الكهربائي مستعملًا تعبيرًا غائمًا لوصف هذه الاستثناءات هو "عند اللزوم" دون أن يحدد ما هي حالات "اللزوم" تلك وما هي الضرورة الطبية للاستثناء، وما وجه الاستعجال، ومن يحدد هذه الضرورة، ومن الذي يمكنه إعطاء الجلسات؟ خاصة وأن القانون يسمح للطبيب غير المختص بفرض الدخول الإجباري على المريض النفسي وبالتالي إعطاء جلسات العلاج الكهربائي دون انتظار رأي طبيب متخصص ومستقل.
جدير بالذكر أن إعطاء جلسات العلاج الكهربائي يجب أن يسبقه عرض المريض على اختصاصي الأمراض الباطنية لتحديد لياقته الطبية وقد يشمل ذلك أيضًا عمل رسم قلب أو فحوصًا أخرى، بالإضافة إلى عرض المريض على طبيب التخدير وضرورة تواجده في الجلسات، كما أن المريض لا بد أن يكون ممتنعًا عن الطعام لمدة 6 ساعات على الأقل قبل الخضوع للتخدير، ألا يسمح هذا الوقت بإجراء تقييم مستقل؟ وما منطق "لزوم" عدم إجراء تقييم مستقل بينما يجيز التعديل إعطاء المريض "جلستين كهربائيتين" قبل التقييم ومن المعتاد أن يفصل بين كل جلسة وأخرى ثلاثة أيام!
جدير بالذكر أيضًا أن جميع حالات الدخول الإلزامي هي بطبيعتها حالات طوارئ، حيث لا يمكن منع تدهور حالة المريض أو الخطورة التي يشكلها على نفسه أو الآخرين دونما تدخل طبي عاجل وغالبًا إجباري، والاستثناء الذي أتي به التعديل يعني أن أيًّا من المرضى الذين تم دخولهم إجباريًّا معرض لتلقي العلاج الكهربائي بدون تقييم ثان مستقل لحالته من طبيب مختص.
فوق ذلك فإن قواعد منظمة الصحة العالمية المتعلقة بحقوق الإنسان والتشريع في الصحة النفسية تنص على أنه لا يجوز أن يشمل العلاج الطارئ "استخدام العلاج الكهربائي ….. أو أيًّا من العلاجات التي لا يمكن الرجوع عن آثارها مثل الجراحات النفسية"، كما أن التقليد الطبي المستقر منذ عقود يؤكد على تقييد اللجوء إلى العلاج الكهربائي الإجباري في أضيق الحدود وألا يتم إلا بعد موافقة طبيب مستقل.
تتضمن سجلات المستشفيات العديد من الحالات التي تعرضت لمضاعفات وأحيانًا للوفاة عند استخدام العلاج بالصدمات الكهربائية، بينما نتشكك في أن هناك حالات لمرضى تعرضت صحتهم أو حياتهم للخطر لأنه لم يكن هناك أي فرصة أمامهم سوى العلاج الكهربائي الذي تعطل بسبب إجراءات التقييم المستقل حتى يتم تعديل القانون لتناسب مثل هذه الأحوال.
العلاج الكهربائي هو علاج اقتحامي يتم تحت تأثير مخدر عام وباسط للعضلات مثل العمليات الجراحية، ومن الأولى تحصين الضوابط التي تضمن سلامة استخدامه بأقل المخاطر وليس فتح الثغرات التي تضعف هذه الضوابط، والتعلل بأن اللائحة التنفيذية ستصلح من اعوجاج التعديل غير مقبول، فالقانون، الذي يخضع إلى رقابة نواب الشعب، هو الذي يجب أن يحمي الحقوق وهو الذي يحدد نطاق عمل اللائحة التنفيذية التي يجب أن يقتصر دورها على التنفيذ وليس التشريع.
رغم ما نصت عليه المذكرة الإيضاحية للمشروع من أن تعديلات القانون توفر "مزيدًا من الضمانات لحقوق المريض النفسي بتوفير حماية كافية للمريض ضد سوء المعاملة والاستغلال" فهي في الواقع تنتقص من هذه الحماية ليس فقط بإهدار ضمانات العلاج الإجباري في حالة العلاج بالصدمات الكهربائية ولكن أيضًا بما تضمنته باقي التعديلات من استبعاد ممثلي المرضى النفسيين وعائلاتهم من المشاركة في مجالس الصحة النفسية ومن تقليص دور الاختصاصيين الاجتماعيين في رعاية المريض النفسي ومن رفع الرسوم على علاج المرضى بما في ذلك المستشفيات العامة، التي تعاني بالفعل من نقص شديد في التمويل، المُقدِّم الأول والأساسي لخدمات الصحة النفسية في مصر إلى الفئات الغير قادرة.