جديد الموقع
أوامر سلفية فى ٢٥ يناير
أعرف وأعترف بأن السلفيين فرق شتى. وأعرف وأقر بإمكانية اختلاف الرأى والرؤية، وإمكانية اختلاف الفتوى. لكننى أعرف أيضاً أن المداراة على الفتوى الخاطئة إثم. وإن السكوت عنها قد يؤدى إلى فتنة، إذ قد يتصور البعض أنها صحيحة وأنها متفق عليها بين أهل السلف. ولست أطالب أحداً بأن يدين أحداً، ولا أن يشتد فى الهجوم على مخالفه فى الرأى، لكننى أظن وليس بعض الظن إثماً أن من واجب أهل السلف أنه إذا ما خرج أحدهم بفتوى مدمرة أو شائنة أن يرفعوا صوتهم ولو برفق، صائحين هذا ليس منا ولا هو من صحيح الدين، لكن أحداً منهم لم يفعل، ولو أن أحداً آخر من خارج صفوفهم ارتكب مثل هذه الفتوى الشائنة لما سكت لهم صوت ولهاجموه بعنف قد يصل إلى حد التكفير.
أقول ذلك كله بعد مطالعتى فتوى أطلقها أحد كبار شيوخ السلفيين هو الشيح محمد بن كمال خالد السيوطى ووزعها رجاله وبحماس يوم ٥ فبراير ٢٠١١ أى فى أوج انطلاق ثورة ٢٥ يناير. فماذا تقول الفتوى؟ تقول بعد المقدمات التقليدية والتى تكاد تفرض على القارئ ضرورة الانصياع والدخول إلى قفص الكتابة دون إعمال للعقل أنه: «لا يخفى على أحد ما تمر به مصر فى هذه الأيام من أحداث وفتن، وقد أحببت أن أبين فيها ما أراه من الحكم الشرعى على ضوء الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة». ثم تمضى الفتوى لتقول إنه «إذا كان المتظاهرون قد خرجوا ضد ظلم الحاكم واستبداده واستئثاره بالأموال دون الرعية، وبسبب ما يعانيه الناس من الفقر والجوع والظلم بهدف إجبار الحاكم على التخلى عن الحكم فإن ذلك كله لا يبرر لهم الخروج عليه. فقد دلت النصوص الثابتة عن النبى، صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالح بعدم جواز الخروج على الحاكم وإن كان فاسقاً ظالماً».
وتمضى الفتوى «إن وجود حكام ظلمة غاشمين لم يكن خافياً على الشرع بل علمه رسول الله بإعلام الله له، ومع ذلك أمر بطاعتهم والصبر على ظلمهم وجورهم، فنصوص الشرع دلت على أن طاعة الحاكم لم تربط هذه الطاعة بعدله ورشده، بل يطاع لأنه ولى الأمر، ولو كان ظالماً غاشماً. فقد ورد فى الأثر وجوب طاعة الحكام ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح وما لم يأمروا بمعصية الله، وإن بلغوا فى الظلم أعلى مراتبه وفعلوا أعظم أنواعه».
وتنقل الفتوى عن الشوكانى فى نيل الأوطار «وجوب طاعة الأمراء وإن بلغوا فى العسف والجور إلى حد ضرب الرعية وأخذ أموالهم». ثم تقول «إنه يجب على المسلم ومهما فجر الحاكم أو نهب وظلم ألا ينزع يداً من طاعته، ذلك أن طاعة ولى الأمر من طاعة الله».
وتقول «ولا يجوز الخروج ضده أو أن ندعو عليه» وأيضاً «إن مجرد وجود البغى من إمام أو طائفة لا يبيح قتالهم فإن كان الإمام جائراً يؤمر الناس بالصبر على جوره وظلمه وبغيه». ثم يلجأ صاحب الفتوى- وربما كان هذا طبيعياً- إلى أحد الفقهاء السعوديين هو الإمام عبدالعزيز بن باز فينقل عن التعليقات البازية. «على المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ وفيما كره ما لم يؤمر بمعصية الله، وحتى لو كان الحاكم كافراً يطاع فى الخير ولا يطاع فى الشر، وإذا أتى الحاكم بالكفر الصريح يُنصح ويبيَّن له الحق ويحذَّر من الكفر ويبيَّن له أن هذا يزيل ولايته».
ثم تأتى الفتوى إلى العلامة الفوزان فى شرحه على الطحاوية، والفوزان عالم سعودى أيضاً «لا يجوز الخروج على الحكام ولو كانوا فسَّاقاً لأنه قد انعقدت بيعتهم وثبتت ولايتهم وفى الخروج عليهم ولو كانوا فساقاً مفاسد عظيمة من شق العصا واختلاف الكلمة واختلال الأمن». ويعود الشيخ السيوطى، صاحب هذه الفتوى كعادته إلى شيخ سعودى آخر هو الشيخ ابن عثيمين لينقل عنه أنه «تجب طاعة الحاكم ولو كان خمَّاراً أو مبتلى بالمعاصى، فإن طاعة الحاكم واجبة، حتى ولو كان عاصياً» ويسأل ابن عثيمين «أين يوجد من ليس عاصياً؟ هذا لا يوجد، وكان الخلفاء يطيعهم أئمة المسلمين وهم يعرفون بمعصيتهم وإصرارهم على المعاصى بل إصرارهم على الخروج من عقيدة السلف ويطيعونهم بل يدعون لهم».
ليس هذا فقط، فالشيخ السلفى يلقى فى وجهنا جميعاً ببقية الفتوى التى تدين أشرف من فينا وهم الشهداء. فالفتوى صدرت فى ٥ فبراير ٢٠١١، فيما كان الشهداء يتساقطون وهم يبذلون أرواحهم فداء للوطن. فصاحب الفتوى يقول «على الناس الطاعة للحاكم البر منهم والفاجر، ومن رضى به الناس خليفة أو غلبهم بالسيف حتى صار خليفة، وليس لأحد أن يطعن عليه أو ينازعه، ومن خرج على إمام المسلمين وكان الناس قد أقروا له بالخلافة بأى وجه سواء بالرضا أو بالغلبة عليهم فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية» أرأيتم.. «ميتة جاهلية»!. والسيد السيوطى لا يمل من اتهام الشهداء فيقول «قال الإمام البربهارى فى شرح السنة (من خرج على إمام فهو خارجى قد شق عصا الطاعة وخالف الآثار وميتته ميتة جاهلية. فليس من السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدنيا والدين)».
ويبقى أن نتوجه إلى الإخوة السلفيين قائلين: نعرف أن بعضكم يرفض ما يقوله البعض، ولكن إن كانت الفتوى شائنة إلى هذا الحد، وإن كانت تهين شهداءنا وإن كانت قد طبعت ووزعت كما يدَّعى البعض بمعرفة أمن الدولة، وإن كانت تحاول حماية الظالم وظلمه فلم لا ينهض أحد منكم ويصرخ فى المسلمين محذراً إياهم من مثل هذه الفتاوى التى قد يصدقها البعض ويمتثل لها ويقول ما تقول!
ويبقى أيضاً أن نسأل السيد محمد بن كمال خالد السيوطى: ما رأيك الآن فيما قلت، وهل تتجاسر على البوح به مرة أخرى، أم أن إسلامك وضميرك يحتمان عليك أن تغسل يديك وأن تتطهر من هذه الفتوى الشائنة؟
نقلا عن الحوار المتمدن
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :