محمد حسين يونس
أما الوسيلة فهي تنشيط لدور مؤسسات المجتمع المدني في خلق فن وإعلام مواز خارج سيطرة أمن الحكام .
الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يمكنه أن ينتج فنا ..يحول به الظرف غير الموات إلي ظرف موات .. يستطيع أن يعبر الصحارى بفكره ..و يستخرج خيرها.. أو يزرعها .. ويعمرها .. يستطيع أن يهاجربإرادته إلي الأرض غير المسكونة.. و يغامر .. و يطوع البيئة المعادية .. لتصبح أخرى عطاءة .
كسر المألوف .. و سلوك الدروب غير المطروقة ..و مواجهة المخاوف .. و عدم الإستكانة للظلم ..هي أدوات الشباب ..التي تؤهلهم للخروج من مصيدة التكرار والراحة و الإستقرارالمرضي وما يتبعها من تبلد و خمول و الفن ...الرواية و القصة و المسرح و السينما و الموسيقي هي لغة التواصل بين الأفراد
حول عام 1954كان مقررا علينا في منهج اللغة الإنجليزية رواية للكاتبة الإنجليزية ((بيرل بك )) تدور أحداثها في صين نهاية القرن التاسع عشر و بدايات العشرين حول أسرة من الفلاحين المعدمين الذين يواجهون الجوع الناتج عن قلة المياة و القحط .
الرواية بعنوان ((الأرض الطيبة ))..كانت تحكي حجم المعاناة التي عاش فيها الفلاح الصيني (وانج لانج ) و القهر الذى مارسة المجتمع علي زوجته (أولان ) من خلال تقاليد بالية وعلاقات إنتاج ظالمة ...
الرواية مكتوبة بعناية و واقعية بحيث كسبت بطلة الرواية هذة السيدة الصينية الغريبة عنا التعاطف الإنساني لصبية في الرابعة عشر من عمرهم .
هكذا كنا نتعلم أنه بغض النظر عن الدين أو الجنس أو النوع .. فالإنسان يستحق ألا يجوع .. أو يقهر .. أو يعاني من الذل .
خلال القرن التالي..قامت حروب في الصين إستخدم فيها الاعداء كل وسائل التغييب .. و منها تدخين الأفيون .. و التفرقة بين المجاميع المختلفة علي أساس قبلي أو عرقي ..أو مذهبي.. إنتهت المعارك الضارية بإنتصار حزب ماوتسي تونج الشيوعي .. و إنشاء دولة شمولية صارمة .. تصحح إنحرافات في حياة البشر لدرجة منعهم من الإنجاب لأكثر من طفل .
اليوم أصبحت الصين التي كان شعبها يموت جوعا .. من أقوى الدول إقتصاديا و علميا و عسكريا ..و تنتج ما يغرق أسواق العالم ببضائع متنوعة حتي سجادة الصلاة .. و الساعات التي تؤذن في مواعيدها .. و فانوس رمضان .
الدرس الصيني في تسارع مستوى النمو .. مبني علي عنصرين .. الأول التعليم المتطور العلمي الطابع .. ثم إحترام الأخر و قبوله و تبادل الخبرات معه.
الشبه بين الصين و مصريدعو للدهشة .. فهي ذات حضارة قديمة تمتد لالاف السنين ..و لها تاريخ طويل من الصراع و الحروب .. وكانت عرضة لهجوم الغزاة من البدو خلال فترات ضعفها و تفككها .. و كانت تحكم بواسطة ما يسمي بعناصر الإستبداد الشرقي لأباطرة يمتلكون حياة البشر و نعيمهم ..
ثم أنها في العصر الحديث إنتهت إلي حكم دولة شمولية مركزية .. تتحكم في الاقتصاد و السياسة .. ثم بعد ثورة ثقافية شهيرة تتحول إلي عضو ذو فاعلية في السوق العالمي .
إنه نفس ما حدث للمصريين مع فارق ..أن الحزب الشيوعي الصيني ..كان لدية المرونه و القدرة علي التغيير و التوائم مع متغيرات الحياة في نهاية القرن العشرين و العقود الأولي من القرن الحالي . ..حزب ذو نظره شاملة .. قادر علي قيادة أمته يهتم بالإنسان يعلي من مهاراته و ينمي لديه الجدية في العمل .. ويتعلم من الأخر .. ويطوير أساليب و طرق الإنتاج .. ويساوى بين الجميع بعدالة القانون الحاسم .
خلال القرن التاسع عشر كتبت هيربرت ستو الأمريكية رواية (كوخ العم توم ) تدين فيها نظام الرق الذى ساد هناك و كان يمثل دعامة زراعة القطن في الجنوب .
ثم في عام 1936 جاءت مارغريت ميتشل، لتكتب (ذهب مع الريح ) لتقص ما حدث خلال الحرب الأهلية بين الشمال و الجنوب من خلال عائلة بيضاء تستخدم عبيد من أصل إفريقي .
وفي عام 1976كتب أليكس هيلي رواية (الجذور ) تتبع فيها حياة عائلة أمريكية من أصل إفريقي من لحظة إصطياد (كونتا كنتي ) من إفريقيا و المعاناة التي عاشتها هذه الأسرة عند ترويض البطل ليصبح عبدا.
( كوخ العم توم ) ، ( ذهب مع الريح ) ، (الجذور ) أعمال فنية لا تقل في جمالها عن (الأرض الطيبة ) ..تعلمنا منها .. أن الحياة ليست عادلة .. و أن البشر في كل مكان سواء بيض أو سمر أو صفر أو سود قد واجهوا صعاب القهر .. و ذل الحرمان .. و شظف العيش .. و لكنهم من خلال الصراع .. والرغبة في الحياة .. إستمروا و غيروا الظرف غير الموات ليصبح في صالحهم ..حتي أن أمريكا في يوم قريب كان يحكمها رئيس من أصل إفريقي جاء جدودة و بيعوا بواسطة النخاسين .. البيض .
هنا أيضا تطل علينا مصر .. لقد عاش علي أرضها في يوم ما .. من إعتبرهم الغزاة و المحتلين عبيدا .. سواء في زمن البطالسة أو الرومان أو العرب .. و عاني أهلها .. الكثير .. وثاروا .. و قهروهم .. و إنتفضوا .. و تم خيانتهم ..و إذلالهم .. و بيعهم في الأسواق .
هذا التاريخ نخفيه عن الأبناء .. و نغض النظرعنه .. فلم يخرج علينا (بيرل بك ) أو (هيربرت ستو ) أو (اليكسي هيل ) .. يقص علينا ما حدث لعائلة مصرية تم قهرها و إستعبادها علي يد الإغريق ثم الرومان ثم العرب .. ثم المغاربة .. ثم الأتراك ثم الإنجليز أو الفرنسيين .. لذلك لم نعالج المرض .. إنه يعيش في دمائنا .. و لا ندرى أننا مرضي .. مستعبدين لالاف السنين .. فنرضي و نستكين .
غياب الأعمال الفنية التي تحكي المأساة .. ثم الحزب القائد الذى يمتلك رؤية .. تسبب في أن شباب اليوم في بلدنا ..في حالة توهه لا يعلمون و لا يتعلمون .. ولا يمتلكوا مهارات العصر فالمسنين لم يهتموا بالمستقبل لقد كانت صراعاتهم تمنعهم من الرؤية الصحيحة .(( نكمل حديثنا غدا )) .