كتب : مدحت بشاي
لقد عشنا في مصر مواقف سياسية واجتماعية واقتصادية و دبلوماسية ، استطاعت فيها الحكومة و أجهزة الدولة تقديم نماذج من النجاح الإداري .. منها ما كان في ظروف أزمات تمثل تحديات ، ومنها ماكان في فترات إصلاح وفق خطط ناجحة ، ومنها ماكان في فترات تاريخية كان لابد فيها من إعادة البناء بموضوعية و وفق أسس علمية يعلمها علماء وخبراء الإدارة ..
عندما قررت مصر تأميم قناة السويس تأكد لنا قدرة الإنسان المصري ونجاحه في صياغة منظومة إدارية ناجحة ونموذجية بداية من مسئولية اتخاذ القرار والعمل وفق رؤية وطنية موضوعية وعلمية ، ومجالسة فريق العمل ودعوة كل أصحاب القدرات الإبداعية لطرح أفكارهم ، والتأكيد علي فكرة العمل الجماعي ، والاستفادة بفكر وعلم الرواد وأصحاب التجارب الناجحة ، ووضع حسابات الربح والخسارة ومدي المخاطرة ..
وهل يمكن أن ننسي المنظومة الإدارية الرائعة لإنجاز مشروع مصر العظيم السد العالي ، وكيف تم تحديد الأهداف بدقة و وضع برامج زمنية دقيقة للتنفيذ ، وحشد كل الطاقات المعنوية عبر رسائل إعلامية رائعة لتعبئة الجماهير وتجهيزها للالتفاف حول حلم تحقيق المشروع الحلم .. أما حرب السادس من أكتوبر 1973 فهي النموذج العبقري الذي قدمه الإنسان المصري لكل شعوب الدنيا عبر ملحمة أداء تبدي فيها كيف يتم استنفار الطاقات الإبداعية ، والتخطيط العلمي والرؤية المتعددة الاتجاهات والحسابات ، وتأمين الاحتياجات ، والاحتشاد النفسي عبر منظومة إعلامية صادقة ، والأخذ بأسباب العلم في إدارة المعركة اعتمادا علي دراسات دقيقة غير قابلة للفشل .. والمجال لايتسع لسرد دروس أكتوبر العظيمة ..
ثم كان الزمن المباركي لنطالع الخبر المنشور بعنوان " 40 " مليار جنيه مشتريات حكوميه لا تستخدم والذي كشف فيه الدكتور احمد درويش وزيرالدولة للتنمية الادارية بمناسبة حديثه عن تقدم مصر " 37 " مركزا في موشرات الحكومة الالكترونية في تقرير الامم المتحدة الأخير عن ان قيمة المخزون الحكومي الراكد تتراوح بين " 15 " و" 40 " مليار جنيه نتيجة المشتريات التي تم شراؤها دون تخطيط مسبق وهو رقم مفزع يجب التعامل مع تبعاته بشكل موضوعي وتضافر كل الهيئات للاستفادة من هذا المخزون وتوجيه القدرالكبير منه إلي مواقع الحاجة إليه ..إن ادارة هذا المخزون الضخم والاستفادة بجزء كبير منه يتطلب إعداد نظم شراء واضحة يتم بموجبها الشراء وفق قرارات مرشدة لاستيفاء حاجة الوحدات الحكومية دون زيادة قد تشكل رصيدا ماليا راكدا لاجدوي اقتصادية منه علي الجهات المسئولة ايضا سرعة الانتهاء من وضع لوائح منظمة لعمليات الشراء والتوزيع والتخزين في أجواء شفافة بهدف تحقيق الانضباط المالي ، واجتناب مخاطر التورط في عمليات يشوبها ألوان من الفساد الاداري ..
وإذا كان استهلال فقرات المقال بتجارب إدارية ناجحة وبالتحديد اتخاذ قرار تأميم قناة السويس ، فقد نجح شعبنا العظيم عقب ثورة 30 يونيو أن يقدم النموذج الأروع في شق فرع جديد لذات القناة والانتهاء منها في عام واحد فقط بشكل يقارب الإعجاز في دنيا المشاريع العملاقة في حالة احتشاد شعبية عظيمة قدم فيها أكثر من 60 مليارًا في 8 أيام لتنفيذ المشروع في استجابة لطلب الرئاسة ..
ولا شك أن أجهزة الرقابة في عهدها الحالي قد باتت أكثر فاعلية وتفهمًا لأدوارها ، وها نحن نتابع ملاحقاتها لرموز الفساد الإداري بشكل يومي بنجاح مشهود له ومقدر ..
لقد كان وسيظل الفساد الإداري هو في النهاية محصلة ومرآة لحالة من التهاون والتراخي والبلادة والإهمال ، وأيضا كنتيجة طبيعية لتراجع نظم فاعلة للإثابة والعقاب بشفافية في اتخاذ القرار وعدم توافر المعلومات وإتاحتها لكل المتعاملين مع أطراف النظم الإدارية وكل الجهات الرقابية والإعلامية ومواقع التخطيط واتخاذ القرار ..
إن الأمر يتطلب تضافر جهود أجهزة الإعلام والمؤسسات الدينية وكل قوي الخير في المجتمع من أجل الوصول إلي إدارة لا يستطيع اختراقها أي فساد لنفتح بابا لدخول المستقبل يحدونا فيه الأمل لتحقيق التقدم المأمول للمحروسة حرسها المولي لشعب جدير بحياة كريمة ..