مريم عادل
الحاكم بأمر الله يمنع استخدام اللغة القبطية في الطرق والمنازل
رغم مرور أكثر من 1300 عام على إصدار مرسوم تعريب الدواوين في عهد والي مصر "عبدالله بن عبدالملك"، و1000 عام على منع استخدام اللغة القبطية في الطرق والمنازل في عهد "الحاكم بأمر الله"، استمرت تلك اللغة المصرية الخاصة طوال مئات السنين، وصمدت في وجه الغزاة الرومان، وما زالت تحيا في قاموس الحياة اليومية لملايين المصريين حتى الآن.
تاريخ اللغة القبطية
تعد اللغة القبطية آخر مراحل تطور اللغة المصرية القديمة، التي صمدت أمام الاحتلال البطلمي عام 323 ق.م - 30 ق.م، الذي جعل اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية لمصر، حيث بقيت القبطية لغة الشعب، حتى في ظل تبعية مصر للإمبراطورية الرومانية وسيادة اللغة اليونانية طوال أكثر من 670 عاما خلال الفترة ما بين 30 ق.م - 641 م، ودخول العرب مصر.
مثّلت اللغة القبطية عائقا أمام الحكام العرب للتفاهم مع أهل مصر الذين حرصوا على تعليم أولادهم اللغة المصرية في المدارس والدواوين، لذلك أصدر والي مصر عبدالله بن عبدالملك، مرسوم تعريب الدواوين عام 706م، لتكون لغة الدواوين الرسمية في المراسلات، وفي عام 849 م أصدر الخليفة المتوكل منشورا يدعو فيه أن يتعلم اليهود والنصارى اللغة العربية، ولكن الشعب المصري استمر في التحدث باللغة القبطية فيما بينهم وفي حياتهم اليومية.
وفي القرن الـ11 الميلادي، أمر الحاكم بأمر الله بمنع استخدام اللغة القبطية في الطرق والمنازل، ومع حلول القرن الـ12 الميلادي أصبح الشعب المصري يعرف اللغة العربية والقبطية على السواء، حيث بدأت اللغة العربية في الانتشار لتحل تدريجيا مكان القبطية، وهنا قام البابا جبريال الثاني بن تريك، البطريرك الـ70 للكنيسة المصرية بإصدار أوامره بقراءة الأناجيل والعظات الكنسيّة وغيرها من القراءات باللغة العربية بعد قراءتها بالقبطية، لكي يفهم شعب الكنيسة تلك الصلوات والمواعظ، ما أسهم في بقاء اللغة القبطية مستمرة وإن كانت حبيسة جدران الكنيسة، وبعض البيوت المسيحية فقط.
ومع حلول القرنين الـ13 والـ14، تراجعت اللغة القبطية أمام اللغة العربية، خصوصا في الوجه البحري، بينما في الصعيد حافظ على اللغة القبطية حتى القرن الـ15، ولاستمرار اللغة القبطية بين المسيحيين اهتم البابا كيرلس الرابع باللغة القبطية اهتماما كبيرا، وبدأ في صرف رواتب شهرية للقساوسة الذين يتقنون خدمة القداس باللغة القبطية؛ تشجيعا منه لهم على دراستها وتدريسها في المدارس القبطية التي أنشأها.
اللغة القبطية وتكوينها
يقول أنطون ذكري عالم اللغات القبطي الشهير في كتابه "مفتاح اللغة المصرية القديمة" إنه في سنة 389 م حرّم الإمبراطور ثيودوس الديانة المصرية الوثنية، وأُغلقت الهياكل تنفيذا لأمره وأصبحت الديانة الأرثوذكسية هي الديانة الرسمية للحكومة، وبذلك بطلت نهائيا الكتابة الهيروغليفية والديموطيقية واقتبسوا الحروف الهجائية اليونانية وأضافوا لها 7 حروف من اللغة المصرية بالخط الديموطيقي لعدم وجود ما يماثلها لفظيا في الأبجدية اليونانية.
ويضيف ذكري: "اندمج كثير من الكلمات اليونانية في اللغة القبطية لأن أغلب الكتب القبطية ترجمت من اليونانية فكان من السهل عليهم نقل الكلمـات اليونانية إلى لغتهم، كما سهل عليهم في بدء الأمر نقل الأبجدية اليونانية، ولم يجد الأقباط في لغتهم الأصلية كثيرا من الاصطلاحات للتعبير بها عن الأفكار الجديدة التي أدخلتها المسيحية في عقائدهم، وكانت اللغة اليونانية منتشرة انتشارا كبيرا في أرض مصر في بداية ظهور الديانة المسيحية".
وتعد بردية هايدلبرج 414 التي ترجع إلى منتصف القرن الـ3 قبل الميلاد، أقدم بردية موجودة للغة التخاطب المصرية بالحروف اليونانية، وتشتمل على قائمة لمفردات قبطية بحروف يونانية مع ما يقابلها في المعنى باللغة اليونانية.
تنطـق هذه الحروف كمـا يلـي: ألفـا - بيتـا - جامـا - دلتـا - إبسيلـون "سـو" - زيتـا - إيتـا - ثيتـا - إيوتـا "يوتـا" - كابـا - لمبـدا "لـولا" - مـي - نـي - إكساي - أوميكـرون "أو" - بـاي - رو - سيجمـا "سيمـا" - تـاو "تـاف" - هيهـو "هيه"- يوبسيلون - فـأي - كـاي " كـي" - إبسـاي - أوميجـا "أوو"، ثم 7 حروف قبطية "شـاي - فـاي - خـاي - هـوري - جنجـا - اتشيمـا - تـي".
ما زالت بعض الكلمات القبطية القديمة مستمرة بين أبناء الشعب المصري مثل: "ولا، ياد، واد" ومعناها صبي أو ولد، "اباي" علامة دهشة واستنكار، "إتاي" أي وادي، و"إردب" وهو مكيال للموازين الزراعية، "افسيخي" ومعناها سمك، "أمَّر العيش" بمعنى سَخَن العيش، و"أوباش" تعني ناس حقيرة، "أوطة" بمعنى ثمرة عامةً أو ثمرة الطماطم، و"بح" كلمة قبطية تعنى لا يوجد، "بتاو" وتعني خبزا بدون خميرة، "بخ" تعني شيطان، وغيرها من مئات الكلمات القبطية التي ما زالت تحيا في المعاملات اليومية للمصريين.
والغريب والمدهش أنه بعد مرور مئات السنين على استبدال اللغة القبطية بالعربية إلا أنه ما زالت هناك قرية مصرية تعد الوحيدة التي ما زالت تتحدث اللغة القبطية حتى الآن، وهي قرية "الزينية- بحري" بمحافظة الأقصر، حيث لا يزالون يتحدثون باللغة القبطية في حياتهم اليومية.