سليمان شفيق
بروز نزعة شعبوية وقومية جديدة في بريطانيا
فاز المحافظون في الانتخابات البريطانية، بـ364 مقعداً ،وذلك من أصل 650، متقدماً على حزب العمال بقيادة جيرمي كوربن، الذي حصل على 203 مقعداً فقط. النتائج الأولية إذاً تشير إلى تعرض حزب العمال لخسارة مدوية، تضاف إلى ذلك خسارته مقاعد تمثل مناطق حافظ عليها سنوات طويلة. فما هي أبرز الأسباب التي أوصلت حزب العمال إلى هذه النتيجة؟
وتوالت ردود الأفعال الدولية تعليقا على فوز رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في الانتخابات التشريعية، فشككت موسكو في احتمالية تحسن العلاقات مع لندن وفي الوقت نفسه هنأ الريس الروسي فلاديمير بوتين جونسون، أما المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل فقد أعربت عن أملها في التعاون أقرب مع جونسون، أما المفوضية الأوروبية، فقد حذرت رئيستها من ضيق المهلة المحددة للتوصل إلى اتفاق تجاري مع بريطانيا.
وهكذا تطوي بريطانيا صفحة المماطلة والتردد حيال بريكسيت مع تصويت الناخبين في الانتخابات التشريعية، ومع تعهد رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون الجمعة بالانفصال نهائيا عن الاتحاد الأوروبي أواخر يناير/كانون الثاني ولم شمل بلد يعاني من انقسام عميق. وعقب فوز جونسون توالت ردود الأفعال الدولية على نتائج التصويت والخطط المستقبلية مع المملكة.
الكرملين يشكك
أكد الكرملين الجمعة، معلقا على فوز جونسون في الانتخابات التشريعية، أن موسكو تشك في إمكانية تحسّن العلاقات مع لندن، بعد الخلافات المتكررة بين الطرفين والفضيحة المرتبطة بمحاولة تسميم عميل سابق.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين "نأمل أن تلتزم القوى التي تفوز بالانتخابات في أي بلد بالحوار والتركيز على بناء علاقات جيدة مع بلدنا. لكنني لا أعرف مدى إمكانية ذلك في حالة المحافظين" في بريطانية، في إشارة إلى حزب جونسون.
بوتين يطالب بحوار مع جونسون
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا الجمعة إلى حوار بناء مع جونسون وهنأنه على فوزه الحاسم الذي حققه في الانتخابات التشريعية. وقال في بيان "أنا متأكّد من أن الحوار البنّاء والتعاون في مختلف المجالات سيكونان بشكل كامل في مصلحة شعبي بلدينا والقارة الأوروبية برمتها".
المفوضية الأوروبية تري تحديا كبيرا
وحذّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الجمعة من ضيق المهلة المحددة للتوصل إلى اتفاق تجاري مع بريطانيا. وقالت فون دير لاين إنها "جاهزة للعمل" منذ اليوم التالي لبريكست من أجل إقامة علاقة تكون "أقرب ما يمكن" بين الطرفين بهدف التوصل إلى تفاهم بحلول نهاية العام2020 .
ميركل وـ"شراكة وثيقة" مع جونسون
أعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الجمعة عن أملها في التعاون عن قرب مع جونسون، وقالت ميركل في بيان نشره المتحدث باسمها على تويتر "تهانينا بوريس جونسون على هذا الفوز الواضح في الانتخابات. أتطلع لمزيد من التعاون باتّجاه الصداقة والشراكة الوثيقة بين بلدينا".
أعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أن الاتحاد الأوروبي "مستعدّ" للتفاوض بشأن العلاقة المستقبلية مع بريطانيا، في حين هنأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جونسون مؤكدا أن فوزه سيفتح المجال لإبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.
أعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الذي يمثّل الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الجمعة أن الاتحاد الأوروبي "مستعدّ" للتفاوض بشأن العلاقة المستقبلية مع بريطانيا
وأكد ميشال لدى وصوله إلى مقرّ الاتحاد في بروكسل في اليوم الثاني من قمة أوروبية، أن "الاتحاد الأوروبي مستعدّ للمرحلة القادمة، سنتفاوض بشأن اتفاق تجاري يتيح (التوصل) إلى قواعد منصفة".
ترامب يهنئ جونسون
من جهته، هنأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمعة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على فوزه "الرائع" في الانتخابات التشريعية البريطانية معتبرا أن ذلك سيفتح المجال لإبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.
وكتب ترامب في تغريدة "تهانيّ إلى بوريس جونسون على فوزه الرائع". وأضاف "بريطانيا والولايات المتحدة ستصبحان الآن حرّتين في إبرام اتفاق تجاري جديد وهائل بعد بريكسيت"، مؤكدا أن "هذا الاتفاق يمكن أن يكون أكبر بكثير ومربحا أكثر من أي اتفاق آخر يمكن أن يُبرم مع الاتحاد الأوروبي. احتفل يا بوريس".!
وكان رئيس الوزراء البريطاني قد تحدث عن احتمال إبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة في حال فاز المحافظون في الانتخابات التشريعية.
حزب العمال يندد
أما حزب العمّال المعارض الرئيسي، فندد من جانبه بانفتاح محتمل للسوق البريطانية على المصالح المالية الأمريكية، خصوصا في مجال الخدمات الصحية الوطنية (إن إتش إس) التي تحظى بشعبية كبيرة لدى البريطانيين
جيرمي كوربين
ووفق رؤية بعض المراقبين يتحمل قائد الحزب الأول، جيرمي كوربين، مسؤولية كبيرة في الخسارة، حيث أنه يفتقر إلى الشعبية الكبيرة بحسب ما أظهرته استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات. فهذه الاستطلاعات أشارت إلى أن شخصية كوربن كانت قادرة على إقناع الناخبين بالتصويت للحزب. وواجه السياسي المخضرم أيضاً اتهامات بمعاداة السامية، وخلف ذلك ردود فعل دولية. إسرائيل مثلاً تمنت له الخسارة علانية. وأربكت هذه التهمة كوربن، - وهو اعترف بها جزئياً - وهذا أفقده عدداً هاماً من الناخبين، خاصة اليهود منهم.
الوعود الانتخابية
كثيرة هي الوعود التي قدمها حزب العمال. لقد شملت كل المجالات تقريباً، كالرعاية الصحية المجانية للمسنين، ومجانية رسوم التعليم الجامعي، وخفض سن التصويت إلى 16، وتقديم تعويضات لمنظمة "لنساء واسبي" التي تطالب بها منذ المساواة في سن التقاعد بين المرأة والرجل. كوربن "قدّم وعوداً كثيرة وجميلة جداً لتكون واقعية"، بحسب مراقبين. وواجه الحزب انتقادات كبيرة بخصوص تطبيقها أساساً، فالوعود لم تكن بالوضوح الكافي، والتبست تفاصيلها على الناخبيين، أضف إلى ذلك أنها كانت كثيرة جداً و"فضفاضة".
ملف "بريكست"
لم يكن موقف حزب العمال من "بريكست" واضحاً بقدر وضوح المحافظين. مسألة انسحاب بريطانيا من التكتل الأوروبي شكلت أزمة، ليس عند المحافظين فحسب إنما أيضاً عند العمال. وطغت الفوضى على المؤتمر السنوي العام الأخير لحزب العمال، وتحول إلى مواجهة بين جناحيه المعارضين لـ"بريكست" والمؤيدين له. وغياب الموقف الواضح تسبب بخسارة أصوات ناخبين كثر، ليسوا مع المحافظين بالضرورة، ولكنهم يؤيدون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. هؤلاء، يقول البعض، وجدوا ضالتهم عند الخصم بوريس جونسون.
الا الذي لايجب اغفالة هو ظهور نزعة شعبوية وقومية جديدة في بريطانيا العظمي .