بقلم: محمود عزت– دبلوماسي مصري
تكشف متابعة الإنسان وشغفه عن رغبته في معرفة المستقبل ليتسنى له– كما يتصوَّر– الاستعداد وتجنب الوقوع فيما لا يحب، وهو أمر طبيعي إذا لم يتجاوز حدود المعقول!.
فإذا كانت هذه المتابعة تتم بغية التفاؤل وبشكل موضوعي أو عملي فهذا أمر حسن، أما إذا تمت بصورة مرضية بأن يستشرف طالعه لدى من يعتقد أنهم عارفين بالأمور الغيبية من قارئي الفنجان أو مفسري الأحلام أو ضاربي الحجر، فهذا ما لا يُعد طيبًا، وله عواقب غير حميدة على هذا الإنسان، من ترك حياته لعبة في أيدي الدجالين والمشعوذين والمتاجرين بالأوهام!.
وقد يعجب المرء وتأخذه الدهشة عندما يعلم أن من الساسة وبعض الشخصيات من شعوب الدول المتقدمة- التي تتمتع بالعلم والثمار التكنولوجية في حياتها- ينحون هذا النحو الغيبي، فمثلاً "جورج بوش" الابن عُرف عنه حبه للخزعبلات، والذي بلغ مبلغًا خطيرًا حينما إدَّعى أنه مكلَّف من الرب برسالة سلام في العالم!.
وهو ذات الشخص الذي أشعل العالم في عهده كرئيس لـ"الولايات المتحدة" حروبًا ونزاعات وصراعات طاحنة شملت "أفغانستان" و"باكستان" و"العراق" و"فلسطين" المحتلة و"لبنان"، وغيرها..
وهناك أيضًا الرئيس الفرنسي الأسبق "ميتران" الذي نُقل عنه أنه كان يستشير "عرافة" تأتيه كل صباح في الإيليزيه مقر الحكم الفرنسي!
ولكن، أيدفعنا هذا إلى أن نلهث نحن شعوب العالم العربي الغارقة في التخلف العلمي، فضلاً عن الفقر والمرض- ولا نشير إلى الفساد الإداري فالعالم المتقدِّم والمتخلف سواء في هذا الجانب- أقول أيدفعنا ما علمناه عن "بوش" و"ميتران" إلى إتباع طريق الغيبيات؟! وندع العلم- لغة العصر وثقافته- ونحن في أمس الحاجة إليه لتطوير حياتنا وتنمية بلادنا وتربية شباب شعوبنا على مبادئ التفكير العلمي السليم؟!
بالطبع وحتمًا ستكون إجابتنا بنعم؛ فعلينا أن نلتمس العلم وأساليبه، ونسعي من خلالها إلى تحسين حياتنا وتنمية شعوبنا، ليس بالبنية التحتيه فحسب، من إقامة المدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات ووسائل المواصلات والطرق والكباري والأنفاق، بل أيضًا بدعم البنية الفوقية من قيم روحية أصيلة وأخلاقيات رفيعة ترتقي بالمشاعر والنوازع الإنسانية.
ولقد هالني ما ألاحظه مما يشغل مساحات واسعة من وسائل إعلامنا من جرائد ومجلات من باب يومي ثابت حول "حظك اليوم"، وبصورة مكثفة بارزة، فغالبًا ما تختار الجريدة مكانًا مميزًا لهذا الباب يغري بقرائته لمعرفة الطالع!
وهو نفسه الحال في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، حيث تحرص معظم وسائل محطات الراديو والتليفزيون على تخصيص فترات إعلامية مختارة بعناية لطالع الأبراج وصفاتها وطالعها!.
ويزيد الأمر سوءًا عندما نجد أن التليفزيون يخصص برامج لمدد طويلة مفتوحة لمشاركة الجمهور من خلال التليفون لتفسير الأحلام، ويتم تكرار إذاعتها عدة مرات على مدار الأسبوع كما لو كان الأمر يتعلق بنظريات عملية مهمة يُخشى عليها من النسيان!.
وخطورة نشر هذه الثقافة- ثقافة الخرافة- أنها تتمكن من الإنسان لولعه بمعرفة ما يخفيه له الغيب، حيث تخترق هذه المعلومات- إن جاز تستميتها بهذا الاسم- عقل الإنسان وهو في حالة استرخاء وجداني وذهني لا تسمح له بالنقد ولا بفرز الطيب من الخبيث..
مثل هذه الثقافة تخلق عقلية تؤمن بالخرافة وتبغض العلم وتعاديه!
بينما تقوم عقلية الإنسان الغربي في الدول المتقدمة على التفكير العلمي الدقيق حتى في أبسط نواحي الحياة وترفض الخرافة وتنبذها. الإنسان الغربي يصنع لنفسه خطة محكمة لتنفيذ هدف معين، ولو كان هذا من أجل الاستمتاع برحلة أو الذهاب لنزهة مع أسرته، ويتحسب في خطته هذه لما قد يطرأ من مفاجآت تهدِّد سريان الرحلة على ما يُرام فيصبح مستعدًا لها بالحلول التي تضمن استمرارها دون اضطراب.. فالعقلية الغريبة تجريبية تشبه إلى حد كبير عقلية لاعب الشطرنج الذي يعتمد على الحذر والدقة وتوقع خطوات خصمه ويتحسب لها حتى يتمكن في نهاية المباراة من قتل الملك وهزيمة الخصم!
ونجد في المقابل العقلية العربية تنشر الخرافة والخزعبلات وتكره العلم باعتباره من عمل الشيطان!.
وتعتمد هذه العقلية في تسيير شئونها على ضربات الحظ.. فهو أشبه ما يكون بلاعب الطاولة الذي يتحدَّد مصيره في المباراة على ما يقوله زهر النرد!.
لذا، فإن شيوع ثقافة الخرافات في العالم العربي يستدعي مقاومتها بنشر ثقافة لاعب الشطرنج من قيم ومبادئ التفكير العلمي السليم القائم على الحذر والدقة وسبر أغوار العلم وأساليبه للحاق بركاب التقدم والحضارة العلمية في الغرب..