كريمة كمال
بعد يوم واحد من تعيينها تمت إقالة مديرة لقصر ثقافة فى مصر بسبب نقابها، وجاءت الإقالة بعد منشور على «فيس بوك» كتبه أحد الصحفيين.. هذا هو الخبر الذى تم تداوله والذى أثار انقساما حادا فى الآراء بين من رأى أنه لا يستقيم أن تدير منتقبة قصرا للثقافة وبين من رأى أن هذه حرية شخصية وأن فى هذا تمييزا واضحا ضد فئة فى المجتمع.. وبصرف النظر عن أن المسؤول عن إدارة قصور الثقافة قد خرج فى مداخلة تليفزيونية ليؤكد أن النقاب لم يكن السبب فى استبعادها ولكن أنها لم تكن مؤهلة لتولى المنصب لأنها ليست فى الدرجة الوظيفية المناسبة والمطلوبة لتولى المنصب، إلا أن المهم هنا ليس فى حقيقة ما جرى بقدر ما هو فى المناقشة التى دارت والاختلاف الشديد الذى حدث.. هل القضية قضية حرية شخصية وتمييز؟ وهل من انحاز إلى هذا الرأى انحاز له من باب الانحياز للحرية الشخصية فعلا، أم أن المسألة كانت عدم الرغبة فى إغضاب السلفيين كجزء من مكونات المشهد السياسى، وكحليف لا يمكن الاستغناء عنه طالما كان خاضعا للسيطرة الأمنية؟ ومن هنا يمكننا أن نفهم لماذا قام المسؤولون عن قصور الثقافة بترشيح السيدة المنتقبة للمنصب كمديرة لقصر ثقافة كفر الدوار من الأساس.
النقاب ليس زيا اجتماعيا كما حاول البعض أن يقول، بل هو زى دينى، وتلك الثقافة تستند على الفقه الذى تبنته الوهابية التى لا تعترف بالإبداع والتى تحرم النحت وفنون التصوير والموسيقى والغناء وكذلك الشعر، وبالتأكيد الرقص وفنون التشخيص وسائر الفنون البصرية والمسرح والسينما، من هنا يمكننا أن نقول إن قضية المنتقبة التى تم اعلان تعيينها مديرة لقصر ثقافة كفر الدوار ثم التراجع عن ذلك بعد تفجير القضية على «فيس بوك» ليست قضية نزاع على أحقية موظفة فى الترقى إنما هى قضية المنطق الذى يحكم هذا الاختيار والتعيين فى موقع عمل ستتعامل فيه مع أنشطة تتعارض تماما مع ثقافتها الدينية التى بموجبها اختارت أن ترتدى النقاب.
المسألة بالأساس مسألة ملاءمة من تم ترشيحها لأداء هذه الوظيفة بالذات، فماذا إذا رُئى أن تتم إقامة معرض لفنون النحت فى قصر ثقافة كفر الدوار هل ستوافق الرئيسة المنتقبة على ذلك، أم أنها سترى فيه منافسة للخالق فى عملية الخلق أى أنه حرام شرعا؟ وماذا إذا ما رُئى تشكيل فريق للفنون الشعبية من عدد من الفتيات كيف سترى الرئيسة المنتقبة ذلك، ألن ترى فيه إسفافا وفجورا؟ وماذا إذا ما كانت هناك محاولة لعمل حفلة موسيقية هل ستوافق أم سترفض لأن الموسيقى حرام طالما لم تكن أناشيد إسلامية؟.. ماذا إذا رغب أحدهم فى إقامة عرض لفيلم سينمائى هل ستوافق أم ترفض لأن هذا يصطدم بقناعتها الدينية فى أن السينما حرام؟ المسألة ليست تمييزا مجردا لكنها قضية ملاءمة بالأساس، هذه المنتقبة لو تولت المنصب لكان من الأجدى أن يتم إغلاق القصر بالضبة والمفتاح لأنها ستقف فى وجه أى نشاط فنى يراد له أن يقام فى قصر الثقافة، فهناك تعارض تام بينها وبين أى نشاط يمكن أن يُقام.
من هنا فالادعاء بأنها قضية حرية شخصية فى الملبس، وأن استبعادها هو تمييز صارخ ضد المنتقبات هو حق يراد به باطل، واستخدام مغلوط للمنطق، فالمنتقبة لم ترشح لوظيفة لن يحول نقابها دون القيام بها لكنها وظيفة يقف النقاب حائلا دون القيام بها، بل إنه يلغيها تماما، فالنقاب والثقافة لا يلتقيان أبدا.
نقلا عن المصرى اليوم