خالد منتصر
النقاب ليس مجرد زي يغطي ملامح وجه ، لكنه باكيدج أفكار يشير إلى ملامح فكر ، ومن إختارته فقد إختارته ضمن حزمة أفكار تبدأ بطمس الهوية وتنتهى بقناعة أن النساء هن أكثر أهل جهنم ، وهي حرة في إختياراتها لكن عليها تحمل تبعة تلك الإختيارات، ومد الخط على إستقامته بأن تقر في بيتها إستكمالاً لمنظومة الإعتزال واللثام الاجتماعي
ولذلك لم أتحمس لتعامل رئيس هيئة قصور الثقافة مع قضية مديرة قصر الثقافة المنقبة على أنها قضية إدارية ومشكلة أقدمية ، فالقضية أكبر وأعمق ، وهي قضية ثقافية وإجتماعية وأمنية أيضاً ، وليست لها أي علاقة بالحرية الشخصية لأن إخفاء الهوية وخاصة في مجتمع يحارب الإرهاب ليل نهار لايمت بصلة إلى مفهوم الحرية ، مجتمع يمنع زجاج السيارات " الفيميه " الأسود ولايمنع لثام المرأة الأسود ، ومن يرفع لنا فزاعة أننا نريدها فوضى
فالرد هو أن الفوضى في غياب الرقابة المجتمعية التي لاوجود لها في سيطرة اللثام ، فمن يتشدق بأن المجتمع لو تحول كله إلى منقبات سينضبط إجتماعياً وينتشر العفاف ، أقول له في مجتمع مكشوف الوجه تستطيع أنت وغيرك بالرقابة المجتمعية ضبط أي إنحراف في الشارع ، لكنك في مجتمع ملثم من الممكن أن تركب " الميكروباص " بجانب إبنتك أو تراها في مكان عام مع شخص آخر وأنت لاتعرفها ، إذن أيهما أكثر إنضباطاً وقبولاً للرقابة الاجتماعية ، مجتمع الشفافية والعلن ، أم مجتمع النقاب والإختفاء؟!
سبقتنا دول عربية كثيرة منها في تحجيم ومنع النقاب في المؤسسات العامة والحكومية مثل تونس والمغرب وحتى بعض دول الخليج لاتسمح للموظفات بالتواجد داخل العمل وهن منقبات ، وإذا كان طلبنا الملح لضبط الأمن في مصر هو إنتشار كاميرات المراقبة ، فبالله عليكم ماذا تفعل تلك الكاميرات في مجتمع ملثم ؟!، وحتى إذا أحضر رجل الأمن في الشركة أو في "المول "
صورة تلك المنقبة كيف ستتوصل إليها وتتبعها الشرطة ؟، وهل لم تسألوا أنفسكم لماذا يرتدي معظم الرجال ممن يرتكبون أعمالاً إرهابية اللثام ؟، هذا ليس إتهاماً للمنقبات فمنهن سيدات فضليات يتخيلن أن في إرتدائه يكمن الإيمان ،ولكنها إحترازات أمنية ، فليس كل من يحمل مسدساً هو إرهابي ، وبالرغم من ذلك ومن باب الإحتراز والحذر الأمني نطلب تراخيص ونجرم من يحمل سلاحاً بدون ترخيص ، وأيضاً الدولة لاتسمح ببطاقات شخصية أو جوازات سفر مطموسة الملامح ولاتقبل مؤسسات الدولة وبنوكها ومطاراتها ...الخ مبررات المنقبة بأن تقول حاملة البطاقة أنا حرة وأرتديه عن إقتناع عند التصوير أو أن هذا من صميم الدين !، لأنه ببساطة ووضوح وبدون الدخول في جدل فقهي النقاب ليس من فرائض ولاصميم الدين وعلى من يريد التعرف أكثر على تفنيد ودحض الآراء المتشددة التي تعتبره من الفرائض أن يراجع رأي الشيخ محمد الغزالي في كتابه السنه بين أهل الفقه وأهل الحديث ،وأن يراجع أيضاً تصريحات شيخ الأزهر التي رفضت مقولة أنه فريضة، إذن على أقل تقدير ومنعاً للدخول في إستنزاف لغط الجهاديين التكفيريين ،
هو ليس ركناً من أركان الإسلام الواجبة والمفروضة قطعية الثبوت والدلالة ، ومن حق الدولة المدنية إتخاذ الإجراءات بشأنه خاصة في الأوقات الإستثنائية ، وحماية للمسئول الذي لايجد نصاً قانونياً يدعمه في محاولته تنظيم العمل داخل مؤسسته ومراعاة الشفافية والوضوح والحفاظ على النظام والأمن داخلها ، مثلما فعل د.جابر نصار الجرئ بحسم وقوة أثناء رئاسته لجامعة القاهرة حين منع النقاب في التدريس وفي المستشفيات لأن التواصل مع الطالب ومع المريض يحتاج نزع هذا الحاجز وطرح ذلك اللثام جانباً ، وهو ماكان لابد من إتباعه في قضية منقبة وزارة الثقافة ، فالباكيدج الفكري أو الحزمة الأيدلوجية المصاحبة للنقاب والتي جعلت من ترتديه تجعله لوجو أو رمزاً ،
تلك الحزمة فيها تحريم الرقص والنحت والغناء بل وإعتبار الصوت عورة ، هذا الباكيدج يضم نقصان العقل والدين للمرأة وأنها إذا تعطرت فهى زانية وإذا تنمصت فهي ملعونة ، وأنها كالكلب والحمار ، وأنها في قاع جهنم ، وهي إذا خرجت من البيت كان الشيطان معها للإغواء ..... إلى آخر كل تلك الأفكار التي تمثل الباقة السلفية المحيطة بهذا اللثام والملتصقة به كالتوأم السيامي ، وأعتقد أن من إختارت تلك الباقة وتريد العمل الاجتماعي وترغب في خوض الشغل المؤسسي فهي كمن تقول سأرسم تلك اللوحة بالأبيض الأسود ، فالحياة إختيارات ، وعلى من تختار وضع الحاجز الاجتماعي وإخفاء الهوية أن تتحمل تبعة تلك الإختيارات وتكمل منظومة الستر في داخل المنزل فهو المملكة التي يستطيع كل فرد فيها أن يمارس كل إختياراته بحرية وبدون سقف ، فنحن نعيش في دولة لا في مغارة ، وفي وطن لا في كهف ، ونمارس حياة تفاعلية في مجتمع مفتوح ولانمارس لعبة إستغماية نختبئ فيها من بعضنا البعض ، أو حفلة تنكرية نراوغ فيها بعضنا من خلال الأقنعة ، نحن لانحاكم زياً ولكننا نحاكم فكراً يخاصم الحداثة ويعادي الإندماج ويمنع التواصل ، فكراً يكمن خلف هذا الزي ويختبئ وراء هذا الإختباء .
نقلا عن الأهرام