ماهر رزوق
إن سهولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ، اليوم ، و قدرتنا على استخدامها في أي وقت و أي مكان ، جعلنا نعتقد بأن ذلك الأمر لا يؤثر على حياتنا اليومية ... أغلب دول العالم اليوم تمنع استخدام الهاتف المحمول أثناء قيادة السيارة ، و ذلك لأن نتائج الأبحاث العلمية الأخيرة و كذلك ملاحظتنا اليومية المتواضعة ، تظهر لنا مدى التأثير السلبي لذلك الاستخدام !!
" إذا سقطت شجرة في الغابة و لم يكن هناك من أحد ليسمع صوت السقوط ، فهل كان لذلك السقوط ، صوت فعلا !؟
إذا أقمت حفلة في منزلك ، و لم يكتب أحد شيئا عنها على فيسبوك ، فهل حدثت الحفلة حقا !!؟
إذا كان لديك وجهة نظر أو فكرة ما ، و لم تغرد بها على تويتر ، فهل سيهتم بها أحد فعلا !؟ "
هذا ما تقوله عالمة النفس (Julia Shaw) في كتابها (The memory illusion) حيث تحاول أن تظهر الأثر القوي الذي تتمتع به وسائل التواصل على حياتنا اليوم ، فوجهات نظرنا عن الأحداث الحالية تأثرت و مازالت تتأثر _ بشكل كبير _ بالإنترنت !!
تضيف (Shaw) : وسائل التواصل الاجتماعي تحسن من قدرتنا على جمع أدلة موضوعية لدعم ذاكرتنا ، لكنها أيضا _مع الأسف_ تعمل على تشويهها و تحريفها ...
تشرح المؤلفة فكرة مهمة جدا تتعلق بقدرة الإنسان على القيام بمهام متعددة في وقت واحد وهذا ما يسمى باللغة الإنكليزية (Multitasking) و تحاول أن تلفت نظر القارئ إلى أن تعدد المهام هو خرافة ، وأن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بذلك فعلا ...
يقول عالم الأعصاب (Earl Miller) : لا يمكن للبشر أن يقوموا بمهام متعددة بشكل جيد وفي وقت واحد ، وعندما يقولون بأنهم يستطيعون ، فإنهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم ، و الدماغ جيد جدا في خداع نفسه !!
و يعتبر (ميلر) بأن الناس عندما يقولون بأنهم يقومون بمهام متعددة فإنهم في الحقيقة ينتقلون من مهمة إلى أخرى (Task-Switching) ، فبينما نظن بأننا نقوم بعدة مهام و نختصر الوقت فإننا في الواقع نحمّل الدماغ حمولة زائدة عن طاقته !!
في بحث أكاديمي قام به كل من (Derek Crews) و (Molly Russ) كان موضوعه : التنقل بين المهام و أثره السلبي على البشر ، و قد تبين لهم ما يلي :
يؤثر ذلك بشكل سلبي على قدرتنا الإنتاجية و تفكيرنا النقدي ، و قدرتنا على التركيز ...
و تأثيره لا يتوقف على عدم إنجاز المهمة بشكل جيد ، و إنما أيضا على قدرتنا على تذكر الأشياء فيما بعد ...
كما تبين أن التنقل بين المهام يزيد من التوتر ، و يقلل من قدرة الناس على تحقيق التوازن في حياتهم ، و كذلك على قدراتهم الإجتماعية !!
تذكر المؤلفة أيضاً البحث الذي قام به الباحث (Reynol Junco) و عالمة الإجتماع (Shelia Cotton) من جامعة آلاباما ، حيث ركز البحث على أثر (التنقل بين المهام) على القدرة على تعلم وتذكر الأشياء ... يسأل الباحثان حوالي (1834) طالب عن استخدامهم للتكنولوجيا ، وقد توصلوا إلى نتائج مفادها أن :
51% يستخدمون التواصل بالمراسلة (مثل الواتس آب)
33% يستخدمون الفيسبوك
21% يرسلون إيميلات تخص الدراسة أو العمل ...
و قد تبين لهم أيضا أن الطلاب _ أثناء الدراسة خارج الجامعة_ يقضون (60) دقيقة على فيسبوك ، و (43) دقيقة في تصفح الانترنت ، و (22) دقيقة بالمراسلة ...
تقول المؤلفة : مع الأسف فقد بينت هذه الدراسة أيضا بأن هناك علاقة وثيقة و سلبية بين الأداء الأكاديمي و بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ، فكلما زاد الوقت الذي يقضيه الطالب و هو يستخدم وسائل التواصل أثناء الدراسة ، كلما كانت نتائجه الإمتحانية أسوأ ...