بقلم محمد حسين يونس
بالامس بعد نشر الحدوته الأولي .. إنهال علي سيل من الإنتقدات .. يقودها قوم أغباهم التعصب عن فهم ما هو مسطور ..
و كان لابد من التوضيح لمن يريد أن يستكمل معي الحوار .. فقناعتي بعد دراسات مستفيضة و مطولة .. أن من يقولون بأن (غزو) البدو لمصر هو (فتح) .. مثلهم في ذلك مثل من حول (هزيمة) 67( لنكسة ).. تزويق الكلمات و هروب من مواجهة الحقائق .
لذلك كتبت بوضوح وجه نظرى .. و بالمناسبة دار بيني و بين الدكتور قاسم عبدة قاسم حوار طويل بهذا الخصوص علي صفحات مجلة (( وجهات نظر )) سنة 2000 و لم أر هذا القدر من التغييب و الغفلة و التعصب .. الذى قرأته في تعليقات الأمس بعد عشرين سنة من التدهور .
و كانت النتيجة عمل بلوك لاكثرمن ثلاثين صديق أعتذر لهم .. لان من يريد متابعتي يجب أن يتحلي بقدر أدني من الذكاء المعرفي يفتقدونه .
فلنكمل حواديت إبن إياس عن ما حدث في مصر مع بداية الإستعمار البدوى .. و أكرر أرجو ألا يعتبر هذا تاريخا بقدر ما هو أحاديث تناقلتها الشفاه إنتهت للتدوين بعد عشرات السنين دون تحقيق .
الحدوتة رقم 2.
ولأن عمرو كان من دهاه العرب العارفين بأمور السياسة فلقد سلك الدرب المناسب..
أمن البطريرك بنيامين على حياته فعاد إلي الأسكندرية التي هرب منها للصحراء بسبب إضطهاد الرومان ( بعد سنتين من إحتلال العرب لبلادة)..
ولم يعاد المقوقس كبير الروم بل استفاد من خبرته الطويلة فى حكم مصر و إستمع لنصيحته
(( إنى رأيت الذى يقوم بعمارة أرض مصر .. حفر خلجانها و إصلاح جسورها وسد ترعها ولا يؤخذ خراجها إلا من غلالها ويحجر على عمالها من المطل ويمنعهم من أخذ الرشاء ويرفع عن أهلها المعادن والهدايا ليكون قوة للمزارعين على وزن الخراج )) .
ولكن عمر بن الخطاب كان له رأيا آخر فقد بعث الى عمرو وكتب له ((أما بعد فإنكم معشر العمال قعدتم على عيون الأموال فجبيتم الحرام وأكلتم الحرام و أورثتم الحرام وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة الأنصارى ليقاسمك مالك فأحضره ما لك )) .
لم يكن هدف المستعمرين العرب نشر الإسلام .. فحتي ذلك الزمن لم يكن القران قد دون .. و كان الدعاة يتحدثون العربية و باقي المصريين لهم لغات أخرى مخالفة .. فلم يكن هناك تواصل يسمح بإنتشار الدين ..
بمعني ..لا نص مكتوب .. و لا حوار طويل مقنع إنما قتال و تدمير و ووضع اليد علي الثروات .. و توريد الجوارى و العبيد من أهل البلد لأسواق النخاسة بالجزيرة العربية ..
لقد كان إستعمار من أجل الحصول علي الأموال .. و لا يزيد .. فلنقرأ ما كتبه عمر لوالية في مصر
((فإني فكرت فى أمرك و الذى أنت عليه فإذا أرضك واسعة عريضة رفيعة قد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوة فى بر وبحر وانه قد عالجها الفراعنة وعملوا بها عملا محكما مع شدة عتوهم وكفرهم فعجبت من ذلك و أعجب ما عجبت أنها لا تؤدى نصف ما كانت تؤديه من الخراج ... وقد أكثرت مكاتبتك فى الذى على أرضك من الخراج وظننت أن ذلك سيأتينا على غير نزر ورجوت أن تفيق ... و عندى بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك عنه فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه فان النهز يخرج الدر ...))
ولكن عم كل هذا النهز !
(( ولم أقدمك الى مصر أجعلها لك طعمة ولا لقومك ولكننى وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج وحسن سياستك فإذا أتاك كتابى هذا فأحمل الخراج فإنما هو فئ المسلمين وعندى من تعلم قوم محصورون... ))
و أفلح النهز .. فلقد رد الوالي علي الخليفة .. بقوله ((والله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك في المدينة وآخرها عندي في مصر)) .
وهكذا حدد عمر بن الخطاب سياسة حكم مصر والهدف من احتلالها منذ البداية فهى فئ لقوم محصورون أو بمعنى أدق أصبحت مزرعة الجزيرة العربية بعد أن كانت مزرعة روما .
الخليفة عثمان بن عفان عندما تلا في الحكم عمر عين عبد الله بن أبى سرح أخوه في الرضاعة ..على كل مصر بعد أن كان قد ولاه عمر وجه قبلى والفيوم فقط رغم ما عرفه كلاهما عنه من ارتداده عن الإسلام و إحلال الرسول لدمه عند دخوله مكة .
هذا الجبار زاد من الخراج حتى أن عثمان عاتب الوالى المخلوع عمرو بن العاص قائلا : (( درت اللقحة بعدك يا أبا عبد الله بأكثر من درها الأول )) .. فرد عمرو (( نعم ولكن أجاعت أولادها )) وفى قول آخر (( أضررتم بولدها )) .
معاوية بن أبى سفيان زاد الجزية على أهل مصر عندما حكم الأمويون بمقدار خمسين بالمائة بدعوى أن مصر فتحت عنوة لا صلحا وفرض الجزية على من أسلم من أهل مصر أن يستمروا فى دفعها رغم إسلامهم
يقول الأستاذ سليمان فياض فى كتابه (( الوجه الآخر للخلافة الإسلامية ))
( فكان هناك مسلمون عرب لا يدفعون جزية فى الدولة الأموية لأنهم ( مواطنون درجة أولى ) ومسلمون غير عرب ( مواطنون درجة ثانية ) يدفعونها وتزداد عما سنه عمر بن الخطاب )) (( نكمل حواديت إبن إياس باكر )).