مدحت بشاي
لا أعرف سببًا ملحًّا، ومطلوب استدعاء تحديد الموقف بالنسبة له لدرجة انشغال ثلة من المفكرين والكتاب وفرسان البحث وأهل الاستطلاع المعرفى والمعلوماتى بفكرة البحث عن هوية للمصريين وكأنهم شعب مسكين ضائع ملتاع بات لا لون له ولا طعم أو رائحة، وينتظر من النخبة ذات التفكير العولمى التنظيرى التغريبى التجريبى المتسامى المترفع أن تختار له الهوية، وأن في هذه الهوية التي سيختارونها له الحل الأمثل لتجاوز كل أسباب التخلف والقفز إلى دوائر النجاح والتقدم على بساط الريح في لمح البصر «خفيف بيطير».
تُعقد الندوات وتتصاعد من الحناجر صرخات الغضب من اقتحام حضارات وثقافات وافدة أو غازية غيرت من مواصفات أهل بلدى الطيبين، ثم تخرج التوصيات العبقرية على شاكلة «لا تقويم ميلادى أو هجرى بل مصرى قديم» وبعض آخر من الفعاليات العليوى المتشامخة «لا قومية عربية أو انتماء عروبى سياسى أو اقتصادى.. فالانتماء مصرى ومصرى قديم فقط !!».. وهكذا دواليك.
وإذا كان زعماء الجماعة الكاذبة الخائنة الإرهابية ومرشحوها للتمثيل النيابى قد رفعوا شعار «الإسلام هو الحل».. والحل تمثل في البنك والمدرسة والجامعة والاقتصاد الإسلامى... إلخ، فإن بعض الأقباط من المتشددين أيضاً في رحلة البحث عن الهوية أعلنوا أنه لا لغة إلا القبطية، وإذا كان يتم الاكتفاء بترديد بعض الصلوات بالقبطية في قداسات الأحد حتى لو لم يفهمها بعض المصلين البسطاء من أهل الأمية الهجائية وهم من لا يجدى معهم الترجمة للعربية على شاشات عرض الصلاة الإكليروسية، ورغم ذلك يدعون الناس لأن يتحدثوها في منازلهم وحياتهم اليومية في تصور غير مفهوم لتحديد هوية تشكل مناعة حضارية في صراعهم الأزلى لمقاومة بشر يرونهم بلا هوية، أو أصحاب هوية تنفى وجود هويتهم!!
ويتقعر المتقعرون فيصرخ أحدهم بتعالٍ «مصر + العرب أقل من مصر وحدها، العروبة تشتت جهدنا».. وينبرى «وطنى منتمى» كما يطلق على نفسه مؤكداً أن تحديد الهوية أحد مصادر التقدم.. ثم يهب واقفاً المصرى عظيم الهوية كما يصفه أتباعه «الفكر القومى العربى فكرحنجورى وكلام إنشائى ولا أفعال»، ويذكر للحضور ذلك المصرى الهوية المسلم المتدين أن مصر ذُكرت في القرآن 5 مرات، فينبرى القبطى المصرى المتدين مُقررًا «لقد جابت العائلة المقدسة مصر من شمالها إلى جنوبها.. مبارك شعبى مصر».. أما الفنان رقيق المشاعر صاحب الوجدان المصرى الرومانسى، فهو يقدم للحضور مقترحا عبقريا «علينا أن نسعى لتقديم أسطورة إيزيس وأوزوريس في عرض سينمائى للتأثير في خيال الشباب لحب أمهم مصر».. ثم يأتى دور المتابع لتجارب الشعوب في دنيا الهوية فينصح الحضور بدراسة التجربة الماليزية وشعارها «إسلامية وليست عربية» للتعلم منها أهمية فك الارتباط ما بين الإسلام والعروبة.. ثم في مشهد النهاية يقف صاحب الدعوة والصالون مؤكداً أن قضية تمصير مصر لا تحتمل التأجيل أو التسويف أو المداهنة والرياء لأنها تتعلق بهويتنا التي يجب أن نعود إليها ونحافظ عليها..
أليس غريبًا ومضحكًا أن ينفصل عن عالمنا مجموعة من البشر يديرون صالونات ثقافية وفكرية وندوات ومؤتمرات ويسطرون الآلاف من الأوراق المطبوعة والأخرى على صفحات الإنترنت للمناداة بالهوية المصرية والتى حددوا ملامحها في دوائر ضيقة خانقة عازلة ويتصارعون فيما بينهم عليها؟!
يؤكد البعض أن في العودة لتعاليم الأديان والتمسك بكل دعواتها النبيلة للبشر تتحدد ملامح الهوية المانعة الفاصلة للمصريين، فيصل الأمر بهم إلى الإعلان بأن في التمسك بتعاليم الأديان التحديد لملامح اجتماعية وسلوكية تبعدهم عن تشكيل هوية خاصة تميز الشعوب، ويسألون كيف يجمع المصرى المسيحى في إحدى قرى الصعيد والفرنسى المسيحى في بلاد النور هوية واحدة؟! أو كيف تكون لمسيحى فلسطينى أو عراقى يعيش زمن الاحتلال والهيمنة الأمريكية والرئيس بوش المسيحى هوية واحدة لمجرد الانتماء لعقيدة واحدة؟!
ويا من تبحثون للمصرى عن هوية وكتالوج، للمصرى كتالوجه الخاص جدًا.. وللمقال تتمة في مربع قادم.
medhatbeshay9@gmail.com
نقلا عن المصرى اليوم