محمد حسين يونس
القارىء .. اذا تجنب الصيغ المعلبة لفقهاء السلطة وتعامل مع الأحداث والأشخاص دون حسابات تفرضها النظرة التقديسية لكتب قديمة أوقفت نمو القدرة على التأمل المحايد لدى المصرى المعاصر .. سوف يكتشف دون عناء أنه أمام أكثر من خطاب تعامل به المسلمون على مر العصور مع مفردات دينهم .. و أن الاسلام من خلال تفاعله مع الحضارات التى تم غزوها قد اكتسب قراءات متباينة وقد تكون متعارضة مع ما طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم وخليفته أبو بكر .
فمنذ تولى الخليفة عمر بن الخطاب وضع أمامه هدف إستكمال تكوين امبراطورية واسعة تضم أقاليم العالم القديم خلفا لفارس وروما وتسيطر على منابع الخير فى العراق والشام ومصر .
نظم الحكم التى طبقت فى امبراطورية عمر بن الخطاب كانت على النمط الامبراطورى القديم نسخا لامبراطوريات الاسكندر ويوليوس قيصر وكسرى فارس .
الخليفة عمر وظف الروح القتالية لشعوب الجزيرة الموحدة التى أججها الاسلام فى نشر رايات العرب عبر امبراطورية واسعة تحول فيها أبناء الحضارات القديمة الى موالى والغزاة الى أشراف .
العربى فى امبراطورية عمر كان لديه القناعة بتميزه العنصرى العرقى علي أبناء الأقطار التى غزاها بنفس درجة شعور أبناء أثينا أو أبناء روما فى زمن سابق وما تكرر بعد ذلك لدى المغول والتتار والترك وألمان هتلر وحتى الأمريكان المعاصرين .. تمنعه من الذوبان مع الحضارات المهزومة .
فى الصفحات التالي سنتعرف علي هذا من خلال كتاب إبن إياس
و أن الخليفة عمر عاقب جنود ( يمنيين )حاولوا الزراعة فى مصر
و أن لفظ مصرى كان يطلق على ذلك القادم من الجزيرة العربية و استوطنها .أما أهلها فهم موالي أو قبط.
و أن هؤلاء المستوطنون العرب لم يتخلوا عن كونهم كيانات منفصلة تعيش على حدود المدن والقرى ترعى الماشية وتحترف الغارات على المزارع أو قوافل التجارة والحج
و أن أبناء و أحفاد عمرو بن العاص كانوا دائما شوكة فى جنب أى حاكم بما فى ذلك المماليك والأتراك وظلوا حتى التاريخ المعاصر فى حالة احساس بالتفرد تمنع اختلاطهم أو تزاوجهم بعناصر محلية أخرى .
مصر فى زمن الخليفة عمر كانت مصدر ثروة دائم ومستمر خصص لتمويل جيوش الفتح العربية واستمرت هذه التقاليد مع الدولة الأموية ثم العباسية تاريخ طويل من استنزاف الثروات وانفاقها على الرفاهية والأبهة التى صاحبت فترة حكم أباطرة بنى أمية
وسنحكي عن حديث دار بين ملك نوبى مع أخر ملوكهم الهارب من العباسيين للتدليل على ما كان عليه الحال فى ذلك الزمن .
وحتى عندما استقل بعض الولاة بحكم مصر لم يتغير الوضع ولنقرأ حجم الأموال التى تركها ابن طولون بعد وفاته وفيما إستخدمها إبنه خماروية .. لقد تم تغييب الانسان المصرى واتيحت كل التسهيلات والفرص للأجانب ليتسلطوا سواء جاءوا من الشرق أو الغرب أو الجنوب ..
الاسلام عندما طبقه الخليفة أبو بكر امتدادا لزمن الرسول صلى الله عليه وسلم .. اختلف عن ما قدمه عمر للشعوب المهزومة وهذا اختلف عن اسلام بنى أمية أو بنى عباس
معاوية لم يطبق أسلوب عمر وكذلك كان المأمون بعد الغزو الثانى لمصرلقهر ثورة البشموريين .. كما أن المماليك العبيد عندما حكموا لثلاثة قرون قرأنا العجب من خيانات ومؤامرات و أساليب نهب وفى بعض الأحيان جنون .
ابن اياس قص علينا هذه المأساة و أنا سأنقل عنه أخبار المجاعات و الأوبئة والغزوات والانتفاضات والتجاريد والصراعات و اضطهاد المصريون الأصليون منذ أن جمع عمرو بن العاص ثرواتهم و أودعها جراب من جلد ثور كامل حتى أجبرهم بعض السفهاء من المماليك على ارتداء أزياء خاصة ووضع شارات تمييز .
القراءة المعاصرة لابن اياس قد تساعد المصرى الحديث على فهم أسباب مشاكله ومعاناته اليومية اذا استطاع أن يتخلص من تأثير الكتب الصفراء التى كتبها فقهاء زمن المماليك ولا زالت تستخدم حتى الآن بواسطة جمهرة من التابعين .