بقلم : فادي ميخائيل
في لحظات حرجة يتألم فيها الوطن و تزداد فيها جراحه الغائرة يتوجب علينا – نحن المصريون – في التفكير ملياً فيما نمر به من حاضر مهتز و مستقبل يحتضر.
ها قد وصلنا للدرجة التي ترخص فيها دماؤنا إلى ما دون حياة الكلاب الضالة في شوارع أوروبا. لم أتخيل يوماً أنه من الممكن أن يموت أكثر من سبعون شهيداً في مباراة كرة قدم و ياليتها مباراة دولية مع دولة نمر معها بأزمة سياسية و لكنها مدينة بورسعيد الباسلة رمز المقاومة المصرية !
و لم أتخيل أيضاً أن نكون بهذة السذاجة ألا نفهم ما يحدث في بلادنا , و أن نكون بهذه الغفلة التي يختار فيها المصريون برلمان بكل هذا الفشل برلمان أقوال لا أفعال , أو نصمت على حكومة الجنزوري الفاشلة أو نرضى به نفسه !
في كل التاريخ السياسي تكون المراحل الإنتقامية – عفوا – الإنتقالية أهم بكثير من مراحل الإستقرار السياسي و الإقتصادي التي تليها , لأنها بالطبع ستحدد ملامحها و مساراتها . و هنا أتقدم إليكم بإختصار شديد ما أفهمه , و في نفس الوقت أحب أن أوضح لكم أنني لا أوجهكم لشيء و على القارىء الإقتناع من عدمه.
1. المجلس العسكري
لا يستوعب أن ما حدث في 25 يناير 2011 هو ثورة بل هي إنتفاضة غرضها خلع الرئيس و بعض الرموز الكبرى للنظام , و مقتنع تماماً أنه لو غيَر بقية النظام ستسقط الدولة و هذا خطأ سياسي فادح , بالإضافه على عدم قدرته – أو عدم رغبته - على التواصل مع الشباب لأنه يعتمد على جماعة الإخوان المسلمون في مساندنته ميدانيا و سياسياً و يعتمد عليهم في الخروج الآمن بعد تسليم السلطة هذا إن سلموها مما يجعله يهاب الجماعة جداً و ظهر هذا منذ إستفتاء 19 مارس ظهوراً جلياً بالإضافة إلى السماح بتأسيس حزب النور و من بعده حزب الأصالة – مخالفا الإعلان الدستوري- الدينيين و يتسمان بالتصريحات المتطرفة خاصة تجاه الأقباط مما يظهر الجماعة أكثر إعتدالاً و وسطية و هذا غير حقيقي . لم و لن يحاسب المخلوع و هذا منطقي فسيادة المشير يبلغ من العمر 77 عاما بعد تجديد المخلوع له ثلاث مرات بعد الستين من عمره و المخلوع هو من عيَن جميع أعضاء المجلس العسكري بالإجماع فكيف يحاسبوه ؟! و هذا يؤدي إلى تأجيج مشاعر المصريين عامةً و أهالي الشهداء خاصةً و هم ليسوا قلة. تلقن هذا المجلس الفهم السياسي في مدرسة مبارك التي تتسم بالبطىء و الحذر الشديد حتى في السياسات الخارجية و هو ديكتاتوري إلى حدٍ لا يصدقه عقل. هذا و قد نجح السيد اللواء حمدي بدين في تحويل الشرطة العسكرية من تاريخها البطولي في حرب أكتوبر إلى أداة قمعية شديدة البطش لأولاد المحروسة و حوِلَت المخابرات العسكرية إلى أمن دولة جديد .
الأهم أنه من نظام يوليو العسكري " الذي طالبا بإسقاطه "
الملخص أني أرى أن الشعب المصري يعاقب على فعلته الفاجرة "الثورة" في صورة مجازر و دماء و إستخفاف بعقول...... و بهذا يجب علينا التخلص من حكم العسكر و من إدارته العقية لبلادنا الحبيبة و نكون مستعدون لسفك دمائنا و أن ندفع أي ثمن في سبيل الأجيال القادمة حتى لا تلعننا كما لعنا أسلافنا الذين سمحوا لنفس المؤسسة العسكرية أن تحكمنا إلى الآن.
2. الإخوان المسلمون
و هنا لن أتحدث عن حزب الحرية و العدالة لأنه بالنسبة لي كيان وهمي غير موجود و لم ترد الجماعة ان تفصله عنها سياسياً فلولاها ما حصل الحزب على كل تلك المقاعد فجماعة الإخوان هي من خاضت الإنتخابات البرلمانية ماليا و سياسياً و دينياً أيضاً . و تقوم الجماعة بتأكيد هذا عن طريق التصريحات السياسية البحتة خصوصاً لنائب المرشد المهندس خيرت الشاطر الذي يلوح بمنصب وزاري عن قريب إنشاء الله.
أما صلب الموضوع أن الجماعة لازالت تتصرف و كأنها في المعارضة و لم تستوعب أنها الآن التكتل السياسي الأكبر في مصر , و تشعر بالقلق من إستلام السلطة أو تشكيل حكومة بقيادتها حتى لا تتحمل المسئولية الكاملة أمام الشعب الذي سيعصف بها إن أخفقت في تحقيق مطالب الشارع المصري ؛ و أرى فيها أيضا براجماتية سياسية من النوع المستفز فهنا تصريح و هناك تصريح مضاد أي تكون الجماعة مع "و" ضد في نفس الوقت. تماماً مثل موقفهم من الثورة , ففي الوقت الذي شارك فيه شباب الجماعة في الثورة كان قد أصدر مكتب الإرشاد بيان بعدم المشاركة كما تكرر هذا في كل التظاهرات ضد حكم العسكر.
الأكثر إستفزازاً هو رفض الجماعة لإغضاب العسكري حتى و لو كان الثمن دم المصريين خوفاً من تكرار سيناريو 1952 حيث إستخدموا كأداة لإظهار الإنقلاب العسكري كثورة و بعد هذا وضعوا في المعتقلات المضحك أن هذا حدث معهم خمس مرات و لن أخوض في هذا و لكني أخشى أن يحدث معهم للمرة السادسة. و يتفهمون أن الكرة في ملعبهم فمن الممكن أن يعطوها للعسكر أو السلفيين أو الثوار مما يجعل (في نظرهم) مستقبل مصر في أيديهم , و بهذا قد أظهرت لكم مدى الإنتهازية و غلو الكراسي عن الرقاب و بإمكانكم الرجوع على مقالات المفكر الكبير جمال البنى و الدكتور خالد منتصر و الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي و هم مفكرين كبار لهم عندي إحترام كبير.
و رغم كل هذا أتوسم في شباب الجماعة خيراً و أراهم وطنيون جدا و متوازنون و في صف الثورة بإمتياز و لكن ينتقصهم إعلان مواقفهم في نطاق ميداني و إعلامي أوسع.
و أتمنى أن تعطي الجماعة الكرة التي تحدثت عنها إلى الثوار فيربحوا الكراسي و حب الثوار و ثقة الشعب و هذا للأسف لن يحدث طبقاً للأسباب المذكورة.
3. حزب الكنبة
إن وصلت هنا بقرائتك لمقالتي فأنت الأن تسأل ما هو الحل ؟ أنا أريد إستقراراً لا أرغب في مزيد من المظاهرات و الدماء و الضحايا فقبل أن أقرأ مقالتك بساعات قليلة أصيبت الناشطة سلمى سعيد بخمسين طلقة خرطوش في جميع أنحاء جسدها و وجهها و تحت عينها في نفس التوقيت الذي يقسم فيه وزير الداخلية على عدم إستخدام الخرطوش ! و أنا لا أريد لهذا أن يحدث و يزداد كفاكم .......
عزيزي من حزب الكنبة تفكيرك سليم و منطقي و لكن عليك أن تعلم أنه لن يحدث إستقرار أبدا إلا إذا أحرقت الكنبة و نزلت معنا و طالبت بحقوقك المشروعة و أسقط حكم العسكر الذين يدمرون بلادك و يقتلوا أولادك بشكل ساعي ( كل ساعة ) . لا ترضى بحكومة هزيلة التي لم تحدد الحد الأقصى و الأدنى من الإجور حتى الأن , أو نائم عام يضلل القضاء للعفو عن رموز الفساد أو داخلية تحميك حين يحلوا لها هذا فقط في كل دول العالم – المحترمة و العريقة – مستحيل أن تجد داخلية مسيسة كما نحن.
أترضى أن إبنتك تعرى أمام الكاميرا و تُضرب بشكل همجي ؟ أترضى أن يفقد أحد أقرباؤك عينه و يتهم بتلقي أموال ليفقدها ؟ هل تشع بالتغيير ؟ هل ترضى أن أختك يجرى عليها كشف عذرية ؟ ماذا ستشعر إن مات أخوك بشكل وحشي في مباراة كرة أمام أعين الأمن الذي لم يتدخل ؟ و عندما تتظاهر أمام وزارة الخارجية تضرب الخرطوش و القنابل . لدي الكثير من الأسئلة و لا أستطيع التمادي لأن قلبي يدمع مما تكتبه يداي و يتخيله عقلي.
كل ما أريد تأكيده لك هو أنك وحدك تماماً الكل ضدك , لا تنتظر خلاصاً يأتي من السماء و أنت في بيتك. أنت مصري و لابد أن تكون فخورا بذلك و لن يتحقق الفخر إلا بالعمل و الإنجاز شارك و إصرخ ولا تخف و نادي بأعلى صوت يسقط يسقط حكم العسكر و حينها فالبرلمان فعلا سيمثل الشعب مهما كانت أغلبيته لأنه سيدرك قوة من يمثله .
لن أتحدث عن بقية فصائل الشعب لأن الثلاثة فرق السابقة هي الكتلة الحرجة التي ستتحرك مصر على مدى تفاعلها و خطاها.
4. الحل
قد خضنا معارك في التظاهرات و الوقفات الإحتجاجية و لم نكسب شيئاً بل ضربنا و دهستنا المدرعات و عوملنا بشكل وحشي.
هناك الآن دعوات للعصيان المدني بدءاً من 11 فبراير الجاري و هو بإختصار طريقة سلمية للضغط على النظام و إجباره على تنفيذ مطالب الشعب عن طريق الإعتصامات و مقاطعة الحكومة نهائيا و الإضراب عن العمل و هذا لن يؤدي إلى إنهيار إقتصادي ففي عدن جنوب اليمن عصيان مدني دائم منذ 2007 كل سبت و أربعاء من كل أسبوع إلى الآن كما نجح في مصر في ثورة 1919 ضد الإحتلال الإنجليزي الذى لا يفرق عن الإحتلال الحالي الذي نعيشه و لمن يهتم بالبحث عن كلمة "عصيان مدني" على ويكيبديا أو محرك البحث google سيعرف ما ضوابط العصيان المدني بشكل أكبر و ما شروطة و مدي سلميته و فاعليته.
غرضي من هذه المقالة هو دعوتكم للمشاركة في هذا العصيان لأنه – في وجهة نظري – هو الحل الأخير الذي سينقذنا من الظروف المزدرية التي نمر بها و هو القادر على إخراجنا من النفق المظلم الذي على وشك أن نتعفن فيه في ظل أكثرية سياسية و حزبية لا يهمها إلا مصالحها و نظام ديكتاتوري سلطوي متسلط يستبيح دمائنا و ينتهك حقوقنا مخالفاً المبادىء السماوية لكل الأديان مخالفاً لقسمه الذي أقسمه حين تولى المسئولية و لابد لنا أن ننسى إنتماءاتنا الدينية و السياسية و العرقيه و علينا أن نفهم أنه إذا غرقت سفينة الوطن سنموت جميعاً بلا تمييز.
لا تحلموا بالإستقرار مادام هناك زواج غير شرعي بين العسكر و الإخوان لأن كل يوم يمر على هذا الزواج سنتكبد الكثير و الكثير من الخسائر الفادحة ؛ و إن إنتظرنا إكتماله سينجب كارثة تطيح بمصر و مستقبلها و أمنها , لأننا حقا نتجه و بسرعة الصاروخ إلى إحتمال من أربعة : إنقلاب عسكري , حرب أهلية , دولة دينية قمعية و رجعية , فوضى ..... أرجوكم أن تنقذوا مصر ..... أنقذوها.