مراد وهبة
التراث عند اليهود متمثل في الأرثوذكسية اليهودية التي تستند إلى كتابين، الكتاب الأول هو التوراة، التي هي عبارة عن أسفار موسى الخمسة: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية مع أسفار أخرى.
والكتاب الثانى هو التلمود، وهو قسمان: المشناة، وهى عبارة عن ستة مباحث، والجهارا، وهى عبارة عن اجتهادات فقهية حول المشناه. ويعتقد الحاخامات أن الشريعة اليهودية ستظل صالحة إلى الأبد، والذى أسهم في هذا الاعتقاد أن أبناء اسرائيل كانوا منفصلين عن الشعوب الأخرى. ومن هنا ارتبط التراث بفكرة تأسيس دولة لليهود، وهذا هو ما يعرف بـ «المسألة اليهودية». وقد كانت هذه المسألة عنوانًا لمقال كتبه ماركس في عام 1844 ونشره في مجلة «حوليات فرنسية ألمانية»، وكان هذا المقال ردًا على مقال لبرونو باور في عام 1843، وكان من رأى باور أن التحرر السياسى لليهود لن يتم إلا إذا تلاشى الوعى الدينى لليهود، لأن التحرر السياسى يستلزم دولة علمانية تقف ضد الهويات الدينية، ومن بينها الهوية اليهودية.
أما ماركس، فكان على الضد من باور، إذ في رأيه أن النظام الرأسمالى الفاسد هو جوهر اليهودية، وهو الذي يمنع اليهود من الذوبان، وأن باور قد أخطأ عندما تصور أن الدين، في الدولة العلمانية، لن يكون له أي دور في الحياة الاجتماعية، ذلك أن ماركس يرى أن الدولة العلمانية ليست مضادة للدين بل على الضد من ذلك، إذ هي تفترضه.
أما ثيودور هرتسل فلم يكن محبذًا لخلق قوة اقتصادية يهودية تذوب في بوتقة واحدة مع الشعوب الأخرى لأن ثمة تيارًا أقوى عند الشعوب الأخرى، وشِعاره «أيها اليهود اخرجوا»، إنما كان محبذًا لتأسيس دولة يهودية علمانية تتجاوز التراث أو السلفية كما تتجاوز الأصولية أو الثيوقراطية وتقفز نحو العلمانية التي لن تسمح للكهنوت أن يتجاوز حدود المعبد.
والسؤال بعد ذلك:
إلى أي مدى ظلت رؤية ثيودور هرتسل العلمانية صالحة لإسرائيل الآن؟
أستعين في الجواب عن هذا السؤال بكتاب لرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو'> نتنياهو عنوانه «محاربة الإرهاب». وهو يوجز هذه المحاربة في نهاية الكتاب تحت عنوان «ماذا يجب أن نفعل؟». والجواب يدور حول فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية على الدول الإرهابية مع إبادة البؤر الإرهابية، والتعاون مع أجهزة المخابرات، ومنع تمويل المنظمات الإرهابية، وتشديد قوانين الهجرة. وحتى عندما يتحدث عن ضرورة تثقيف الجمهور فإنه يقف عند تحديده بدوافع الإرهاب دون أن يتجاوزه إلى تكوين عقل علمانى كوكبى يمتنع معه بزوغ الإرهاب. وفى سياق هذه الإجراءات لم يعد ثمة مبرر للحديث عن ضرورة أن تكون إسرائيل دولة علمانية على نحو ما ارتأى هرتسل. ومن هنا توارى التيار العلمانى المتمثل في الأحزاب العلمانية، كما توارى الممثلون التقليديون لذلك التيار. والمعنى أنه لم يعد ثمة اهتمام بتغيير مكونات الفكر الأصولى، وذلك باستحداث مكونات الفكر العلمانى من أجل تحويله إلى فكر كوكبى يكون قادرًا على اجتثاث جذور الإرهاب. وأصبح المحرك الخفى للسياسة الإسرائيلية كامنًا في الأصولية وليس في العلمانية.
والسؤال إذن:
إلى أي مدى تكون الأصولية مسؤولة عن أزمة تكوين حكومة وحدة وطنية؟.
نقلا عن المصرى اليوم