طارق العوضي
في البداية يجب الإشارة إلى أنه حتى العام 2014 لم تكن يوجد فى كافة التشريعات العقابية المصرية أي تعريف لجريمة التحرش وبالتالي لم يكن هناك من عقاب عليها إعمالا للقاعدة الأصولية أنه لا جريمة ولا عقاب إلا بنص.
وكانت النيابات والمحاكم تجتهد فى تطبيق نصوص جرائم الفعل الفاضح أو التحريض على الفسق أو التعرض لأنثى على وجه يخدش حيائها فى الطريق العام هذا بالطبع بخلاف جرائم هتك العرض والاغتصاب.
وهى جرائم كانت العقوبة فيها لا تزيد عن الحبس لمدة شهر وفي حالة العودة إلى ارتكاب الجريمة كانت العقوبة تصل إلى ستة أشهر .( التحريض على الفسق ).في المادة 269 عقوبات.
ولا تزيد عن سنة أو غرامة لا تتجاوز 300 جنيه في جريمة الفعل الفاضح . المادتين 278 عقوبات ، و279 عقوبات.
وبرغم انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء فى نهاية العقد الأخير من القرن الماضي حتى أصبحت ظاهرة تؤرق المجتمع وهو ما دفع العديد من النشطاء الحقوقيين إلى مواجهتها بانفسهم عبر وسائل خارج إطار القانون مثل حملة شفت تحرش وامسك متحرش وافضح متحرش ولم تحرك الدولة ساكنا تجاه مواجهة هذا الظاهرة.
إلا أنه فى العام 2014 صدر أول تشريع يتضمن عقابا على جريمة التحرش أصدره الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور تضمن تعديلا على نصوص المادة 306 بمقتضى القانون رقم 50 لسنة 2014 ( اى ان التعديل جاء فقرتين فقط تمت إضافتهما إلى مادة واحدة فى قانون العقوبات ) كما أن التشريع وأن جاءت نصوصه متضمنة عقابا على أفعال جديدة لم تكن موجودة فى القانون إلا انه لم يضع تعريفا محددا لجريمة التحرش الجنسي بل انه اشترط فى إحدى المواد ان تتجه نية الجاني إلى الحصول على منفعة جنسية من المجنى عليها.
حيث جاء نص التعديل كالتالي:
المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات المصري: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيها و بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه.
وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.
المادة 306 مكرر (ب): يعد تحرشا جنسيا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرر (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
فإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) من هذا القانون أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.
وتجدر الاشارة الى انه :
في العام 2011 اصدر المجلس الاعلي للقوات المسلحة والذى كانت له سلطة التشريع آنذاك بموجب الاعلان الدستورى المؤقت المرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011 .والمنشور بالجريدة الرسمية في 22 مارس 2011 .
حيث نص على تشديد العقوبات على جرائم الخطف والاغتصاب وهتك العرض والتعرض لاخر بطريقة تخدش حياءه :تضمن تعديلات على نصوص المواد ( 267 ، 268 ، 269 ، 269 مكرراً ، 288 ، 289 ، 306 مكرراً "أ" )
وهناك ملاحظات بالغة الاهمية والخطورة على تلك التعديلات سواء التى صدرت عن المجلس العسكري فى 2011 او التى صدرت عن الرئيس المؤقت المستئار عدلى منصور فى 2014 تتلخص في الاتي :
1- ان كلا منهما صدر عن سلطة استثنائية كانت تجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية استئناء فى لحظات تاريخية معينة وهو ما يهددها بالطعن عليها بعدم الدستورية .
3- تواصل حالة التفرقة بين انواع من الاعتداء الجنسي مثل مواقعة الانثي من الخلف ومن الامام او الاغتصاب باستخدام اداة .
4- عدم وجود التعديلات داخل نسق تشريعي واحد يسهل للقائمين على شئون العدالة سرعة تطبيق النص القانون الصحيح على كل حالة .
وبالاضافة الى المشاكل القانونية السابقة والتى من شأنها افلات الغالبية العظمى من مرتكبي جرائم التحرش والاعتداء الجنسي على النساء فان هناك مشاكل عملية اكثر خطورة ادت فى الواقع العملي الى ان حالات توقيع العقاب على المتحرش اصبحت نادرة التطبيق في الواقع .
وتتمثل تلك الصعوبات العملية فى الاتي علي سبيل المثال لا الحصر :
1- ترك الضحية فى مواجهة ضغوط وتهديدات المجني عليه واقاربه واصدقاءه وذلك فى ظل غياب قانون واضح يضع برنامجا لحماية المجني عليها والشهود .
2- عدم اصرار الضحية على الإبلاغ عن الاعتداءات والتحرشات الجنسية التى تعرضت لها ويرجع ذلك الي حالة من الخوف, القلق, الشعور بالذنب الخجل والألم، والخوف من نظرة المجتمع.
3- عدم رغبة الضحية فى اخبار اسرتها بالواقعة خوفا من تعرضها للوم منهم والقاء اللوم عليها .
4- عدم وجود الدعم المجتمعي خاصة فى نطاق اسرة الضحية التى تعتقد ان الابلاغ عن مثل تلك الجرائم سيكون وصمة في جبين العائلة .. ومن ثم عدم تقديم الدعم النفسي للضحية مما يؤثر على قدرتها فى المواجهة والاستمرار .
5- امتناع بعض ماموري الضبط القضائي عن تحرير مثلك تلك البلاغات بل اننا رصدنا فى بعض الحالات قيام الضابط بمعاتبة الضحية وتوجيه اللوم لها بسبب ملابسها .
6- عدم تقديم التوعية القانونية السليمة للتعريف بمدى خطورة التحرش الجنسي وان الجاني ربما يعتقد ان فعلته هى جنحة تحرش في حين انها قد تكون جناية هتك العرض .
7- امتناع الشهود فى معظم الحالات عن التوجه صحبة الضحية الى القسم اما خوفا من تعرضهم للوقوع فى مشاكل مع الجاني او خوفا من اجراءات التقاضي والاستدعاءات المستمرة لهم . ومن ثم صعوبة اقامة الدليل على ارتكاب الجانى للجريمة
8- بطء اجراءات التقاضي حيث تكون فى المتوسط ما يقرب من عام لحين صدور حكم اولى فى القضية .
نصائح هامة
يجب على الضحية فى حالة تعرضها للتحرش محاولة اتخاذ الخطوات الاتية :
1- التعرف على مواصفات الجاني بكل دقة قدر المستطاع وما اذا كان به علامى مميزة من عدمة وايضا مواصفات المركبة التى يستقلها فى حالة وجودها .
2- التعرف على مواصفات مكان الواقعة من حيث المارة وحركة المرور وحالة الضوء والروية واتجاهات السير بالشارع .وما اذا كان يوجد كاميرات مراقبة من عدمه .
3- التعرف على شهود الواقعة واصطحابهم مع الضحية الى قسم الشرطة وفى حالة صعوبة ذلك الحصول على بياناتهم الشخصية وارقام تليفوناتهم .
4- الاتصال بشرطة النجدة وتسجيل بلاغ فى ذات وقت حدوث الواقعة .
5- التوجه فورا الى قسم الشرطة التابع له محل الواقعة ومقابلة رئيس المباحث وتقديم بلاغ له بتفاصيل مع حدث على وجه الدقة .
6- عدم الامتناع عن ذكر كافة الالفاظ والحركات التى قام بها الجاني تحت دعوى الخجل من ذكرها .
7- يفضل الاتصال بمحامي للوقوف على سلامة الاجراءات منذ لحظتها الاولى فى قسم الشرطة .
8- متابعة القضية بشكل مركز امام النيابة العامة وحتى احالتها الى المحاكمة .
وبرغم ان كل الاجراءات السابقة غير كافية الا اننا نوصي في النهاية بمجموعة من التوصيات منها :
اولا : ضرورة انشاء الشرطة القضائية المتخصصة والمدربة على التعامل مع مثل هذه الجرائم المستحدثة واستخدام الوسائل التكنولوجيا الحديثة فى التحريات وجمع الاستدلالات .
ثانيا : ضرورة وضع القوانين التى تواجه العنف الجسدى والجنسي ضد المراة فى نسق تشريعي واحد يتضمن اعادة تاهيل الضحية والجانى ايضا وضمان عدم تكراره مثل تلك الافعال .
ثالثا : لابد ان يتضمن التشريع وضع نظام الاسر البديلة للاطفال اللذين يتعرضون لانتهاكات جسدية او جنسية داخل محيط الاسرة .
رابعا : لابد من توافر ارادة حقيقية لدى الدولة ممثلة فى وزارات الداخلية والعدل والثقافة والتربية والتعليم والصحة لمواجهة هذه الجرائم باعتباره جرائم
اجتماعية تمثل خطورة على السلام الاجتماعي ومن شأنها ان استمرت دون مواجهة على كافة المستويات خلق عداء ناحية المجتمع نابع من خذلان الضحية.
نقلا عن الرئس