( 1861- 1918 )
إعداد/ ماجد كامل
يعتبر المؤرخ المصري ميخائيل بك شاروبيم ( 1861- 1918 ) واحدا من أهم المؤرخين المصريين الذين كتبوا عن تاريخ مصر في موسوعة ضخمة من خمسة أجزاء بعنوان "الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث " . أما عن ميخائيل شاروبيم نفسه . فلقد ولد خلال عام 1861 ( ذكرت بعض المراجع 1853 و1854 ) بمحافظة بني سويف في 1 ابريل 1853 ( حسب مينا بديع عبد الملك ) . وفي سن السابعة التحق بمدرسة حارة السقايين ؛ وفي المدرسة تعلم وأتقن اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية ومباديء اللغة القبطية . ثم عين في قلم التحريات الأجنبية بوزارة المالية ؛ وبعد سنتين رقي إلي درجة مترجم ؛ ولشدة نبوغه أتخذه اسماعيل باشا صديق وزير المالية سكرتيرا له ؛ وظل في هذه الوظيفة حتي عام 1876 ؛ ثم رقي إلي وكيل كبيبر مصلحة الجمارك في أواخر عام 1877 . ثم عمل مديرا لجمارك دمياط ؛ أنعم عليه محمد علي باشا ( 1805- 1848 ) بلقب "أغا" ولم يبلغ الخامسة والعشرين من العمر بعد . وفي عام 1880 عين أمينا لجمرك بورسعيد ؛ وفي عام 1884 عين قاضيا لمحكمة المنصورة الأهلية ثم رئيسا للنيابة العامة ؛ وفي عام 1884 ؛منحه الخديوي إسماعيل ( 1830- 1895 ) رتبة البكوية ؛ وفي نوفمبر من نفس السنة ؛ جاءه التكريم من الخارج ؛إذ منحته الحكومة اليونانية وسام المخلص (سوتير ) ؛ وفي مارس 1885 منحته إيران وسام "الشمس والأسد " . وفي عام 1888 أهداه ملك أسبانيا وسام القديس يوحنا . وفي عام 1897 ؛منحه الخديوي عباس حلمي الثاني (1892- 1914 ) الوسام العثماني من الطبقة الرابعة تقديرا لجهوده في مراجعة جميع المنشورات والأوامر العالية والقرارات الوزارية ؛ وفي خلال عام 1900 منحه نجاشي الحبشة نيشان "الأفتخار " .
أما عن نشاطه في المجال الكنسي ؛ فلقد تولي رئاسة جمعية التوفيق القبطية خلال الفترة من ( 1882- 1896 ) ؛ وفي عام 1906 أنتخب عضوا بالمجلس الملي العام في دورته الرابعة . وبسيب صدام حدث بينه وبين رئيس الوزراء رياض باشا ( 1834- 1911 ) أعتزل العمل الحكومي تماما ؛وعاد إلي مسقط رأسه ببني سويف ؛ وكان ذلك خلال عام 1888 . حيث تفرغ للعمل الثقافي ؛فقام بإصدار موسوعته الضخمة " الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث " في خمسة أجزاء ( لنا عودة لهذه الموسوعة الهامة بعد الأنتهاء من سرد حياته ) ولقد أستمر ميخائيل بك شاروبيم في العمل والانتاج حتي توفي خلال عام 1918 ( لم أجد في أي كتاب أو مرجع تاريخ محدد للوفاة ) . ولقد تبرعت أسرته بمكتبته الضخمة للمتحف القبطي بالقاهرة بناء علي طلب ووساطة المؤرخ الكبير توفيق بك إسكاروس (1871- 1942 ) ( لمزيد من التفصيل راجع مينا بديع عبد الملك :- أقباط في تاريخ مصر ( الجزء الأول ) جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية ؛ نوففمبر 2017 ؛ الصفحات من 285 – 287 ) .
أما عن كتاب " الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث " فهو موسوعة ضخمة في أربعة مجلدات ( هي التي ظهرت في حياته ولكن هناك جزء خامس ظهر بعد وفاته كما سوف نري ) ؛ظهرت خلال الفترة من (1898- 1900 ) .
أما عن تقسيم الأربعة مجلدات فلقد جاء علي النحو التالي :-
1- المجلد الأول :- مصر القديمة من نوح إلي الفتح العربي .
2- المجلد الثاني :- الجزيرة العربية قبل الإسلام ؛الخلافة ؛ الفاطميين ؛ الأيوبيين والمماليك حتي الفتح العثماني .
3- المجلد الثالث :- مصر العثمانية حتي عام 1805 وتأسيس دولة محمد علي .
4- المجلد الرابع :- مصر والابرطورية العثمانية حتي نهاية عهد توفيق .
ويذكر المؤرخ الكبير الكبير جاك جونيور كراسبي في كتابه البالغ الأهمية "كتابة التاريخ في مصر في القرن التاسع عشر " عن هذا الكتاب فيقول عنه أن المؤلف تميز بالتدقيق الشديد ؛ كما أنه أبتعد عن أساليب السجع التقليدية التي كانت سائدة في كتابات عصره ؛ وهو يحاول أن يحلل أسباب الحوادث التاريخية نفسها . فمثلا عن دوافع غزو نابليون بونابرت لمصر ؛ فيقول " قال البعض أنها كانت من أجل مضايقة البريطانيين وتدمير قوتهم ؛وقال البعض أنها كانت لفتح المدن والأمصار وقال البعض أشياء أخري .ولقد حاول شاروبيم أن يقدم أعمال إيجابية لعصر محمد علي كإصلاح الترع وإصلاح الجيش وإنشاء المدارس الحديثة وفتح السودان ؛ ولكنه في نفس القوت لفت الأنظار إلي الأخطاء التي وقع فيها مثل فرض الضرائب علي المصريين . باختصار كان كتاب شاروبيم يمثل – حسب رأي كرسبي – خطوة حقيقة نحو التأريخ الحديث ؛فأهتم بالتركيز علي الأسباب والدوافع وردود الأفعال ..... الخ . ( لمزيد من التفصيل راجع :- جاك كرابس جونيور :- كتابة التاريخ في مصر القرن التاسع عشر ؛ترجمة عبد الوهاب بكر ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛1993 ؛ الصفحات من 184- 187 ) . ( والشكر هنا واجب ولازم للصديق العزيز الدكتور حسام عبد الظاهر الباحث بمركز تحقيق التراث بدار الكتب والوثائق القومية لتفضله بتصوير الفصل الخاص بميخائيل بك شاروبيم وإرساله لي علي Messenger ) .
كما كتب عن الموسوعة العالم الأسترالي أنتوني جورمان Anthony Gorman في كتابه الهام"المؤرخون والدولة والسياسة في مصر القرن العشرين حول تشكيل هوية الأمة " حيث قال " في أواخر القرن التاسع عشر كان ميخائيل شاروبيم أول مؤرخ حديث ذو خلفية قبطية . لقد كان شاروبيم من عائلة مشهورة ؛ حيث لعب دورا مهما في شئون المجتمع بالإضافة إلي شغله عدة مناصب حكومية ؛ كعمله قاضيا بمحكمة المنصورة الأهلية عام 1884 .ولقد لاقت المجلدات الأربعة التي استعرض فيها تاريخ مصر منذ العصور القديمة حتي عهد توفيق استحسانا كبيرا لتوظيفها الحكيم للمراجع ولتقديمها المتوازن للحقائق " ( المرجع السابق ذكره صفحة 319 ) .
أما عن قصة اكتشاف ونشر الجزء الخامس من الموسوعة ؛ فهي كما يرويها الأستاذ الدكتورالمرحوم عبد الوهاب بكر في مقدمة الطبعة الخامسة من كتاب "الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث في تاريخ مصر القديم والحديث ؛الجزء الخامس ؛المجلد لأول - القسم الأول ؛ والصادر عن الهيئة المصرية العامة لدار الكتب والوثائق القومية ؛1998 " . أنه في عام 1992 ؛أتصل به المؤرخ الراحل الكبير المرحوم الدكتور يونان لبيب رزق ( 1933- 2008 ) ؛وأبلغه أن الجزء الخامس من موسوعة الكافي في حوزته ؛ وقد حصل عليها عن طريق حفيده المرحوم الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة خلال الفترة من ( 1992- 1996 ) ( 1922- 2016 ) ( وهو بالمناسبة حفيد ميخائيل بك شاروبيم عن طريق والدته ) . وكانت والدته المرحومة "صفية ميخائيل شاروبيم " قد طلبت منه الاهتمام بنشر الجزء الخامس من الحوليات . فسلم الدكتور يونان المسودتين للمجلدين ؛فقام الدكتور يونان بتحقيق ونشر "الرقيب علي أحوال مصر " والذي صدر عن دار المعارف خلال عام 1992 . وسلم مسودة الكافي للدكتور عبد الوهاب بكر فقام الدكتور عبد الوهاب بكر بهذه المهمة خير قيام ؛ وفي مقدمة الجزء الخامس قام بوصف المحتوي ؛فقال عنه أنه يبلغ عدد صفحاته حوالي 1238 صفحة ؛ منسوخ علي الآلة الكاتبة ؛ وهو يتناول الفترة التاريخية بين وفاة الخديوي توفيق في يناير 1892 ؛ومصرع رئيس النظار بطرس باشا غالي في فبراير 1910 . أما عن محتويات المجلد الخامس من الكافي فهي علي النحو التالي :-
1- الفصل الاول :- (حوادث عم 1892 ) :_ وتشمل ( وفاة الخديوي توفيق – ولاية الخديوي عباس حلمي الثاني – أزمة الفرمان – زمة السيطرة علي جهاز البوليس – أزمة المجلس الملي – نفي الأنبا كيرلس الخامس- الإضطرابات في شرق السودان ) .
2- الفصل الثاني :-( حوادث عام 1893 ) وتشمل ( أزمة النظارة الفهمية- نظارة مصطفي رياض باشا –عودة البابا كيرلس الخامس من المنفي – المناوشات حول سواكن- وباء الكوليرا في مصر ) .
3- الفصل الثالث :- (حوادث عام 1849 ) وتشمل ( حادثة الحدود- إبطال السخرة في مصر – سثوط نظارة رياض – نظارة نوبار "15 أبريل 1894- 12 نوفممبر 1895 " – الإضراب عن العمل في مصر – إحتلال إيطاليا لكسلا- حادثة علي شريف باشا – مشروع خزان أسوان- أزمة السيطرة علي جهاز البوليس- البوليس المصري في عهد المستشارية – تسيير عربات الترام في القاهرة- فيضان النيل – أزمة السيد توفيق البكري ) .
4- الفصل الرابع :-الفصل الرابع (حوادث عام 1895 ) :- وتشمل ( مرض الخديوي اسماعيل في الأستانة- مولد أولي بنات الخديوي من أحدي محظياته – قانون العمد الجديد – وفاة الخديوي إسماعيل – زيارة دي لونكل Deloncle لمصر – ظهور مصطفي كامل- وباء الهيضة في مصر – سقوط نوبار - نظارة مصطفي باشا فهمي" 12 نوفمبر 1895- 11 نوفمبر 1908 " – هزيمة الإيطاليين في أمبالاجي "7 ديسمبر 1895 " ) .
ويذكر الدكتور عبد الوهاب بكر حول أهمية كتاب شاروبيم ؛ أنه لم يكن تاريخا سياسيا فقط ؛ فلقد حرص ميخائيل بك شاروبيم علي تسجيل كل الأحداث الإجتماعية والإحتفالات الشعبية والدينية مثل
( مواكب وطوائف الحرف - مواكب الحج - الحرف والصناعات الموجودة في عصره - الكوارث الطبيعة التي حدثت في عصره - خطوط الترام التي ظهرت في القرن التاسع – إنشاء المصارف في مصر – العملات النقدية التي ظهرت في عصره – الجريمة ومعدلاتها ..... الخ ) ويضيف بكر حرصه علي استخدام مصطلحات كانت غير موجودة في عصره ؛فالبوليس هو (أصحاب الشحنة ) وقائد البوليس هو ( صاحب الشحنة ) والمشايخ ورجال الدين هم (أصحاب العكاكيز ) والمجلس النيابي هو (دار الندوة ) ورئيس الوزراء هو (صاحب السياسة ) ووزير الحربية هو ( صاحب ديوان الجيش ) ...... الخ ( لمزيد من التفاصيل راجع المقدمة البالغة الأهمية التي كتبها الدكتور عبد الوهاب بكر للجزء الخامس ؛ والشكر هنا واجب ودين علي علي للأخ والصديق العزيز الدكتور حسام عبد الظاهر للمرة الثانية الباحث بمركز تحقيق التراث بالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ؛ والذي لم سمح لي بتصوير المقدمة . ولولا جهوده معي ما كان لهذا المقال أن يصدر علي هذا النحو ) .
ويضيف الدكتور بكر في مقدمته ؛أن ميخائيل بك شاربيم سجل كل هذه الأحداث بعدالة مدققة ؛ ولقد حاول تجنب السجع الذي كان أحد لوازم الكتابة في ذلك العصر ؛ وحاول أن يحلل الأسباب التي أدت إلي حدوث هذه الحوادث بموضوعية ؛ولقد حاول أن يعطي لنفسه خط رجعة في تحليله مثل قوله (نسبة إلي فلان وفلان ) أو ( بعض الكتاب ) أو( حدثني صديق ممن أعرفه ) أو ( قال بعض أصحاب العلم ) ...... الخ ( نفس المرجع السابق ) .
والخلاصة كما يذكر الدكتور عبد الوهاب بكر أن موسوعة "شاروبيم " تميزت بالمميزات الآتية :-
1- أن الرجل قد حفر أسمه في ذاكرة الوطن بعمله الخالد في أجزائه الخمسة .
2- أول من أستبعد السجع في الكتابة جاعلا من نفسه أول مؤرخ يهجر وإلي غير رجعة الاساليب التقليدية .
3- أن الرجل رغم ميله إلي الحداثة في كتابته ؛لم يهجر الكتابة الحولية ؛ولكنه كتبها بأسلوب يتفق مع تطور العصر ؛ فأستحق أن يوضع في تصنيف الحوليون المحدثون The New –Chroniclers .
4- كان الرجل بحكم تعدد الوظائف التي شغلها ؛ تميز أنه كان شاهد عيان للعديد من الحوادث التي وقعت في عصره منذ نهاية تسعينات القرن التاسع عشر . ( نفس المرجع السابق صفحة 11 )
ويلخص الدكتور بكر أهمية الكتاب بقوله " وبعد .... فأن هناك الكثير ليقال عن الكافي لكنه قد أسهم في تسليط الأضواء علي أحداث كثيرة من تاريخ مصر السياسي والاجتماعي وأعاد رسم صورة جديدة لحوادث كانت مرتسمة بشكل أو بآخر في أذهان البعض من المشتغلين بالتاريخ لمصر . ( نفس المرجع السابق ؛صفحة 26 ) .
بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- مينا بديع عبد الملك :- أقباط في تاريخ مصر ؛ الجزء الأول ؛جمعية مارينا العجايبي بالاسكندرية ؛نوفمبر 2017 ؛الصفحات من 285- 287 .
2-إيريس حبيب المصري :- قصة الكنيسة القبطية ؛ الكتاب الرابع ؛كنيسة مارجرجس اسبورتنج بالاسكندرية ؛ 1992 ؛الصفحات من ( 385- 386 ) .
3- رياض سوريال :- المجتمع القبطي في مصر في القرن 19 ؛ مكتبة المحبة ؛ بدون سنة نشر ؛ صفحة 176 .
4- انتوني جورمان :- المؤرخون والدولة والسياسة في مصر في القرن العشرين ؛ ترجمة محمد شعبان عزاز ؛ مراجعة وتقديم أحمد زكريا الشلق ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 2275 ؛ صفحة 319 .
5-- توفيق اسكاروس :- ميخائيل شاروبيم بك ؛ مجلة المقتطف ؛ يونيو 1918 ؛الصفحات من( 414 – 416 )
6- زكي فهمي :- صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر ؛ ترجمة فقيد العلم واتاريخ البحاثة الكبير ميخائيل بك شاروبيم ؛ مكتبة مدبولي ؛ 1995 ؛ الصفحات من (602- 607 ) .
7- ميخائل شاروبيم :- ويكبيديا ؛ الموسوعة الحرة ؛موقع علي شبكة الأنترنت .
8-يونان لبيب رزق : مقدمة كتاب رقيب علي أحوال مصر السياسية 1878- 1882 .
9- جاك كرابس جونيور :- كتابة التاريخ في مصر القرن التاسع عشر ؛دراسة في التحول الوطني ؛ ترجمة عبد الوهاب بكر ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛1993 ؛ الصفحات من (184 -187 ) ( والشكر هنا واجب للأخ الحبيب الدكتور حسام عبد الظاهر الباحث بمركز تحقيق التراث بدار الكتب والوثائق القومية لتفضله التصوير الخاص بالكتاب وإرساله لي علي Messenger ).
10- عبد الوهاب بكر (تحقيق ودراسة :- الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث والمعاصر ؛ميخائيل بك شاروبيم ؛ الجزء الخامس ؛ المجلد الأول – القسم الأول ) ( وللمرة الثانية أكرر الشكر للأخ الصديق العزيز الدكتور حسام عبد الظاهر الذي تفضل وسمح لي بتصوير المقدمة من مكتبته الشخصية ؛ فله مني خالص وجزيل الشكر ) .