وائل لطفى
بين الحين والآخر يثور الجدل حول خلع فنانة معينة للحجاب. والحقيقة أن ظاهرة الفنانات المحجبات ظاهرة قديمة تعود إلى ثمانينات القرن الماضى، وأن الشيخ الشعراوى كان الأب الروحى لها.
فالتأمل فى نشاط الشيخ طوال رحلته يقود إلى حقيقة أن هذا الرجل لم يكن فقط عالماً كبيراً، ولا مفسراً لغوياً فذاً، ولا داعية شهيراً فقط، كان الرجل ناشطاً دينياً يضع على عاتقه مهمة رئيسية.
كانت هذه المهمة هى أسلمة المجتمع المصرى بأقصى درجة ممكنة، وكانت هذه الأسلمة وفق نزعة وهابية وسعودية واضحة.
فى هذا الإطار يمكن أن نفهم نشاطه الكبير فى ظاهرة الفنانات المعتزلات، وهى ظاهرة عرفتها مصر فى أوائل وأواسط ثمانينات القرن الماضى حيث أقدمت بعض الفنانات المصريات على اعتزال النشاط الفنى وارتداء الحجاب الإسلامى وتحولت كثيرات منهن إلى داعيات إسلاميات، وأدارت بعضهن مشاريع خيرية وتجارية ذات صلة واضحة بالفضاء الإسلامى العام.
لعب الشيخ الشعراوى دور المرشد الدينى والراعى لظاهرة حجاب الفنانات واعتزال الفنانين هذه، وكان يقوم بمزيج من الإقناع الدينى والرعاية المادية والاجتماعية للفنانات التائبات.
وقد سأله الصحفى محمود فوزى عن المدخل الذى سلكه لإقناع فنانات مثل شادية، وهناء ثروت، وهالة الصافى وغيرهن.. فقال الشيخ إنه كان يدخل من مدخل واحد هو تخويف الفنانات من مصيرهن فى الشيخوخة وانصراف الأضواء عنهن.
بينما وصف علاقته بالفنانة الكبيرة شادية قائلاً (كنت أتحدث إليها فتهتز وتحلق فى سمو روحى.. وتطلب منى ألا أكف عن الكلام). ويضيف: (لقد وجدت الطريق إلى الإيمان وطلبت منى أن أعينها لتسير فيه خطوة ثانية فأعنتها).
كانت الفنانات المعتزلات ولسنوات طويلة قادمة بعد توبتهن على يد الشيخ الشعراوى من أبرز معالم (الدعوة الجديدة) فى مصر.. كن ضلعاً فى مثلث يتكون ضلعاه الآخران من الدعاة الجدد ورجال الأعمال، وكان الثلاثة يرسمون ملامح مجموعات متدينة ذات وضع اقتصادى واجتماعى مميز لا يناصب السلطة العداء ولكنه يسعى لأسلمتها ولأسلمة المجتمع كله دون تغييره.. كان الشيخ الشعراوى هو من وضع أساس هذه الفكرة.. كان أول الدعاة الجدد.
واذا انتقلنا من الفنانات المحجبات إلى المرأة بوجه عام، وموقف الشيخ منها فسنجد أن مجمل آراء الشيخ حول المرأة كانت رجعية.
وكان يلعب ببراعة على نقطة الالتقاء بين التفكير الريفى التقليدى وبين الآراء الوهابية التى كانت وقتها تغزو مصر حديثاً، وفى الحالتين كانت طريقته هى الإقناع العقلى لمستمعيه دون الاستناد لنصوص فقهية واضحة، والحقيقة أن ما كان يقوله الشيخ الشعراوى لم يكن بعيداً عن الطريق الذى سار فيه المجتمع منذ سنوات السبعينات، فبعد الستينات التى شهدت أقصى اندفاعة فى طريق عمل المرأة ونوالها حقوقها وتكريس ذلك، جاء الشيخ الشعراوى ليقنع الناس أن المرأة مكانها المنزل، وقد كان أسلوبه فى بعض الأحيان صادماً، وهو لم يكن يؤمن بحق المرأة فى العمل من الأساس فضلاً عن حقها فى تولى المناصب الرفيعة أو الولاية الكبرى والصغرى، وقد قال الشيخ الشعراوى أغرب إجابة يمكن سماعها عن سؤال حول عمل المرأة فى القضاء، إذ تساءل: ما هو الحال لو كانت المرأة قاضية ووقف أمامها شاب جميل ووجيه ومحكوم عليه بالإعدام!.. ماذا يمكن أن يحدث؟
ترك الشعراوى لمن يسمعه تخمين الإجابة، التى تقول إن المرأة كائن قابل للغواية أكثر من الرجل وإنها بالتأكيد ستضعف أمام ذلك المتهم (الجميل والوجيه) فتحكم له بالبراءة.
يشرح الشيخ الشعراوى وجهة نظره بطريقته التبسيطية فيتساءل: كم توفر المرأة لو جلست فى البيت تحيك الملابس والستائر اللازمة للبيت؟ إنها فى هذه الحالة ستوفر الكثير من ماهية زوجها، وهو يسوق حجة عقلية أخرى للإقناع وهى أن عمل المرأة يحرم الأبناء من الرضاعة الطبيعية وهو ما أدى لأن تصبح قلوب الأبناء قاسية على أمهاتهم وآبائهم.
أما من الناحية الشرعية فإن المرأة تعمل فى حالة الضرورة فقط، كما أن عملها يكون مع محارمها فقط فهى قد تعمل مع أبيها أو أخيها أو زوجها أو أولادها فقط.
فى نفس السياق يتساءل عن المرأة التى تذهب للعمل وتعطى للخادمة التى تربى أبناءها مرتباً يفوق مرتبها.. أليس هذا دليلاً على أنها تريد أن تخرج لمجرد الخروج.. أنها لا تريد أن تعمل ولكن تريد أن (تتنطط) فقط.
إننى لا أملك أدنى رغبة فى الإساءة للشيخ الشعراوى ولا للتقليل من قدره، ولكن الحقيقة أن آراءه فى القضايا الاجتماعية تخاصم الزمن، وتعود بالمصريين قرناً ونصف للوراء، والحل هو أن يدرك المصريون أن هذه الآراء التى ما زالت حية عبر اليوتيوب هى محض تاريخ ماض يجب عليهم ألا يأخذوه مأخذ الجد إذا أرادوا أن يكون لهم مكان فى المستقبل.
نقلا عن الوطن