محمد حسين يونس
أنا لا أعمل مؤرخا .. و لا أكتب التاريخ .. و إنما أتأمل الأحداث و أستشرف من خلال تجارب أمس المسار المحتمل للغد .
هل 1952، كان عام الإنقلاب علي نمط الحياة في المدن المتروبوليتانية الذى كان سائدا في القاهرة و الأسكندرية خلال الحرب العالمية الثانية .. من إختلاط الأجناس و القوميات .. و اللغات ..وتنوع أساليب الحياة .و تطور البرجوازية الملتصق بالغرب بعيدا عن الإسلوب السائد لحياة الأغلبية المقهورة لأهل الريف..
مر نظام يوليو بثلاثة منعطفات أساسية ألاولي كان فيها صغار الضباط يعبرون عن أحلام الشارع في الإستقلال و التخلص من الملكية الأرستقراطية فضباط يوليو .. كانوا من أبناء هذا الشعب .. ممثلين للفئات الدنيا من الطبقة المتوسطة .. ثقافتهم أقرب للفاشيست سواء كانوا متأثرين بصعود موسيليني و هتلر السريع أو بمباديء حزبي مصر الفتاة و الأخوان المسلمين المنتشرة بينهم .. يرون أن الرايخ الثالث هو الحل الأمثل لمقاومة الإستعمار و إحداث نهضة سريعة في المجتمع ..
لذلك لم يكن غريبا كونهم إستوردوا نظما عسكرية وشكلوا مليشيات شعبية تحشد المواطنين حول شعارات مثل الإتحاد و النظام و العمل ..أو ما يسمي بهيئة التحرير .. و بنفس الوسائل التي طبقها هتلر و ستالين .
و هكذا عندما استولى الجيش على السلطة في مصر، خلع الملك عن العرش. وأصدر مجلس قيادة الثورة بيانًا يعلن فيه عن حل جميع الأحزاب السياسية (عدا الأخوان المسلمين )... و شمل ذلك حظر جميع الحركات النسوية المستقلة.
المنعطف الثاني جاء بعد الإستقلال .. ودام لعشر سنوات من (1957 إلي 1967 ) كانت فيها إرادة المصريين يصنعها المصريون .. لذلك كان بناء الأمة علي نمط الرأسمالية المركزية يسير بوتيره متسارعة يصاحبه كبح أى فكر مخالف و.. تم إجهاض أغلب البؤر الراديكالية التي إزدهرت من 1923 حتي 1945 .. بما في ذلك تنظيمات العمال و الطلبة .. و الفلاحين .. و الشباب و المرأة وإستبدلت بمؤسسات رسمية حكومية .. لتصبح أجهزة تابعة تضم عناصر مزيفة إنتهازية ..لا تمثل الأغلبية و لا تهتم بقضاياها
المنعطف الثالث جاء بعد هزيمة القومية العربية و الإستسلام لقوى السوق العالمي بما في ذلك البنك الدولي و صندوق الدين .
لقد خرجت الأرستقراطية المصرية خالية الوفاض و لم نعد نراها في قصورها وملابسها الفاخرة و مواكبها .. و تم إزاحة الأجانب من السوق و تمصير أنشطتهم .. و التضييق علي اليهود حتي غادر أغلبهم إلي أوروبا و أمريكا و إسرائيل .
و تحولت المدن المتروبولتينية التي كانت تعج بالتنوع إلي مدن عسكرية الطابع .. شبه ريفية مع نزوح أعداد غفيرة من أهل القرى للسكن بها بحثا عن فرص عمل أفضل بعد قانون الإصلاح الزراعي و إرتخاء قبضه الإقطاعي عن حياتهم ...
مدن يحكمها ديكتاتور لا يقبل من الأخرين إلا نموذجا واحدا يصفق و يهتف بالروح بالدم نفديك يا فلان .
عام 1954 تمكن عبد الناصر من السلطة .. و قوبل ذلك بردود فعل قد لا تتفق مع هذا النهج .. عالجها بالعنف و المعتقلات و منها أن ((شاركت درية شفيق ومعها عدد من النساء في إضراب عن الطعام لعشرة أيام، اعتراضًا على لجنة إعداد الدستور التي لم تضم نساء )).
و مع ذلك من خلال دستور 1956 منحت الدولة فيما منحت (للأخرين) بشكل علوى عددا من الحقوق للنساء ليس فقط فيما يخص التعليم والعمل، ولكن أيضًا حق الانتخاب والترشح..كخطوة نهائية لمساواة الجنسين فيما عدا ما يتصل بالشرائع الدينية .
و رغم هذا ففي عام 1957، بدأت درية شفيق إضرابا سياسيا أخر عن الطعام إعتراضا على ((الحكم الديكتاتوري للسلطات المصرية والتي تدفع البلاد نحو الإفلاس والفوضى)).
بكلمات أخرى مع حركة ضباط يوليو حدثت تغييرات في مسار كفاح المرأة.. ليخفت ويصبح جزءاً من مشروع وطني أتاح التعليم المجاني للجميع و العمل متساوى الأجر للجنسين من مختلف الطبقات .. و إتاح الفرصة لبذل الجهد الفردى من خلال جمعيات المجتمع المدني و إن إقتصر علي الأعمال الخيرية دون مردود سياسي ..
وهكذا في عام 1966 وبأمر من الرئيس جمال عبد الناصر تمّ استبدال اسم ((الاتحاد النسائي)) بـ (( جمعية هدى شعرواي)) ثم تم تشكيل ((الإتحاد النسائي المصري)) الرسمي الذي أصبح المؤسسة الحكومية التي تشرف وترعى النشاط النسوي .
في ستينيات القرن الماضي .. تم الإنسلاخ عن الحركة النسوية التي دامت من 1919 .. و جرى ترويض بنات الطبقة المتوسطة المشاركات فيها ليغردن ضمن الكورال الحكومي بما يتناسب مع سياسة الدولة .. و منحت المرأة بواسطة الدستور و القانون .. كل ما كانت تحلم به
و إن كان عيب التنظيمات التي تأتي من رحم السلطة أن من يشغل مناصبها و يتولي أمرها في الأغلب الاعم من العناصر الإنتهازية .التي ترشحت لمجلس الشعب و تولت مناصب وزارية .. و مثلت بلدها في الخارج ..و حصلت علي المكافئات و الإمتيازات مثلها مثل العمال ذوى الياقات البيضاء .. و فلاحين الحكومة الذين لم تتلوث أقدامهم بطين الحقل .
عموما لقد تغير حال المراة خلال ستينيات القرن الماضي بصورة إيجابية فقد إلتحقت في مراحل التعليم بكثافة و شمل هذا بنات الأرياف و البندر .. و أخرجت مهندسات و طبيبات .. و عالمات .. و صحفيات .. و محاميات .. ، كما عبّأت الدولة نساء الطبقة العاملة لتزويد قطاعها العام، وصمتت الأصوات النسوية أو خفتت حتي هزيمة 1967 .. لتخرج المرأة مع من خرج من عباءة المطالب الفئوية للمشاركة في الحراك الوطني . (( نكمل حديثنا غدا ))