محمد السيد صالح
■ الدعاية الناقصة
لدينا إنجازات اقتصادية وسياسية تحققت على الأرض. من يقول غير ذلك فهو مغرض غير محايد، أو لا يرى سوى نصف الكوب الفارغ.
بخصوص الاقتصاد فإن ثمار الإصلاح لم تسقط بعد، والناس تعانى، مع وجود تخبط فى الأداء الحكومى فى أكثر من مجال. هذا ليس مجالنا اليوم.
ما أركز عليه هنا، طريقة الدعاية لهذه الإنجازات التى تحققت.
هناك كوارث تحدث فى هذا المجال. من يخطط لتسويق الإنجازات، سواء أكان شخصا أو هيئة، بلا خيال. ما يصلح للدعاية للمؤسسات السيادية فى أنشطة حساسة، لا يصلح مع المشروعات العادية المراد تسويقها للرأى العام. بيانات وصور وفيديوهات، بصياغة واحدة يتم توزيعها على جميع الفضائيات والإذاعات والصحف.
طلبت منى مسؤولة مهمة حققت إنجازات أكاديمية وتنفيذية، ذات مرة، أن أساعدها فى تطوير تواصلها بالإعلام والرأى العام.
قلت لها: نصيحتى الأولى تبدأ بتقليل البيانات الرسمية الموزعة منكم على الفضائيات والمواقع والصحف قدر الإمكان. فى المقابل، اعملى على منح كل وسيلة ما يناسبها من معلومات وإحصاءات وتصريحات خاصة، بل وتسريبات، مع مراقبة طريقة النشر فيما بعد. نصحتها بصنع صداقة متينة مع الصحفيين، وفتح خطوط اتصال يومية مع إدارات المؤسسات الإعلامية، وذكرتها بنماذج لهذه العلاقات الدافئة المتكافئة بين المسؤول، الذى كان أحيانا هو رئيس الجمهورية والصحفيين. ركزت معها على أهمية إعطاء الضوء الأخضر لكبار المسؤولين العاملين معها للتواصل مع الإعلام، مع ضبط إيقاعهم فى هذا المجال. قلت لها، إن إطفاء الأنوار عليهم، وتسليط الضوء على وجهك أنتِ فقط سيصنع منهم أشرارا محتملين، يتمنون لكِ الفشل أو سرعة المغادرة لمنصبك. أتذكر أنها أخذت نصائحى بجدية، لكن المناخ العام لم يساعدها على تنفيذ أى من هذه النصائح. على العكس كانت تؤدى هى وغيرها بشكل ساذج ومتعال جدا. فى العقد الأخير من حكم مبارك ظهرت ثم ازدهرت الفضائيات الخاصة ومعها الصحف المستقلة وأبرزها صحيفتنا «المصرى اليوم». إعلام عصرى بأولويات مهنية مختلفة. أحيانا يقلد نماذج غربية حرة، وأحيانا أخرى يصنع توليفته الخاصة. فى المقابل، كان الإعلام القومى التقليدى يكافح مع النظام ومع الرأى العام لكى لا يترك الساحة تماما خالية للإعلام الجديد.
كانت هناك حملات موجهة وبيانات وتعليمات وتوجيهات توزع على الإعلام القومى، لكن كان لدينا ذكاء من المرسل والمتلقى على السواء. كنت ستعثر على هذه المواد وقد تحولت لمقال فى صحيفة، أو تقرير فى أخرى أو افتتاحية فى ثالثة.
كانت مقالات الرأى لبعض كبار الكتاب رؤساء التحريرغنية بالمعلومات والتسريبات المهمة والأخبار.
ما أقصده هنا، أن النظام فى ذلك الوقت وسع دائرته، وفهم طبائع عمل وسائل الإعلام. لم يضع الجميع فى قالب واحد. لم يتجاوزهم جميعا إلا واحدا على طريقة هيكل مع عبدالناصر.
وبالمناسبة، فإن حظوة هيكل وصحيفته الأهرام مع النظام وإن كانت نقمة على الحريات الصحفية، فإنها كانت نعمة على بقية المؤسسات الصحفية، حيث تواصلت أكثر مع الأشكال المهنية الحديثة، وخلقت جسورا قوية مع الرأى العام، وصنعت نجوما أدبية وصحفية وفنية، ما زال إنتاجها يضىء حياتنا. أقصد بالطبع مؤسسات روزاليوسف ودار الهلال وأخباراليوم.. وغيرها.
لم يلتصقوا بطريقة تقليدية مع النظام لكنهم أفادوه على الصعيدين المحلى والعربى.
كل هذه «التوليفات» التى مررت عليها هنا، معطلة حاليا وبفعل فاعل. وبصراحة كلها لا تصلح حاليا.
من يريد، بجهده الشخصى، أو برغبة فوقية أن يعيد «صيغة هيكل» لن ينجح. طبائع الزمن ووسائطه تغيرت كثيرا. سيصبح كمن يرتدى أزياء الستينيات فى 2019.
هيكل كان لديه المعلومة وكذلك التصريح بنشرها. كان يعرف طبائع القراء، ويعلم أنهم يصدقونه!.
■ الملكة والبابا والشعراوى
أشاهد الآن الجزء الثالث من مسلسل crawn على «نتيفلكس» والذى يحكى بالتفصيل وبجرأة قاسية، قصة حياة ملكة بريطانيا الحالية إليزابيث مع الخوض فى كل التفاصيل السياسية والاجتماعية الحساسة التى مرت بها بريطانيا وكذلك العائلة المالكة فى السبعة عقود الأخيرة. فى المسلسل كثير من الدروس والأفكار التى تكشف جذور الحريات والحرص على حمايتها أيا كان الثمن. لم يتم تقديم الملكة كأنها شخصية منزهة عن الخطأ والصغائر، بل تم التعرض وبتكثيف لكل أخطائها العامة والخاصة. أعتقد أن مثل هذه الأعمال هى دعم للأنظمة الحرة فى كل مكان. لدينا فى المقابل، لا نستطيع المساس بزعمائنا الحاليين، وكذلك الرموز الراحلين المرضِى عنهم رسميا. حتى نجوم الفن مثل أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب عاملناهم فى الأفلام أو المسلسلات كأنهم ملائكة لا يخطئون. مثلا، مسلسل أم كلثوم لم يقترب من زيجاتها، أو طبيعة علاقاتها مع زملائها بصراحة. مسلسل عبدالحليم لم يتعرض لعلاقته بسعاد حسنى. مسلسل أمير الدعاة، لم يتعرض بصراحة لفترة عمل الشيخ الشعراوى كوزير للأوقاف، وطبيعة ما قاله بحق السادات ووضعه فى مكانة تجعله فوق الحساب، وهل حرض على الشباب الثائر فى أحداث يناير77، وطالب بتطبيق حد الحرابة عليهم؟!. أو ما قاله قبلها وبالتحديد عقب هزيمة يونيو67، بأننا نستحق الهزيمة لابتعادنا عن الله. النماذج كثيرة التى تجعل من المُحلقين حول سير هؤلاء الرموز فى مركب واحد مع الجهات الرقابية الرسمية، أو عائلات المشاهير التى ترفض إنتاج أعمال عنهم.
لقد تابعت الجدل الذى أثير حول البابا شنودة'> مسلسل البابا شنودة والذى قيل إن الكنيسة بصدد إنتاجه، إلى أن تم تجميد المشروع. حزنت لذلك. البابا الراحل قصة كفاح وصمود ووطنية لن تموت. أتمنى أن يعود المشروع للحياة مجددا، وأفضل أن تتولاه شركة إنتاج خاصة بعيدا عن الكنيسة. لقد اقتربت من جزء مهم فى مسيرة البابا شنودة وأنا أعد ملفا فى ذكرى اعتقالات سبتمبر، وتيقنت حينها أن الرحل كان قائدا سياسيا يتمتع بالذكاء والدهاء ولم يكن مجرد رمزا دينيا وروحيا، لذلك ينبغى أن يتعرض المسلسل لمسيرته بشكل لا يحصره فى الكنيسة فقط. البابا تواضروس هو الآخر لديه شفافية وجرأة. مسيرته تستحق أن تتحول لعمل فنى أيضا. عرفت ذلك من حواره الممتع مع الزميل مصطفى رحومة فى الزميلة الوطن بمناسبة الذكرى السابعة لتجليسه.
■ رسائل سريعة:
- المهندس شريف إسماعيل
لمست نشاطكم وسرعتكم فى الإنجاز مع تحقيق العدل والحرص على السيرة الحسنة، عندما كنت رئيسا للوزراء. ومن هذا المنطلق أطلب منكم سرعة التدخل العادل فى ملف التصالح فى تقنين أراضى الدولة، انطلاقا من رئاستكم للجنة العليالاستراد أراضى الدولة. لا أجلس مجلسا إلا تكون قضية المبالغة فى تقدير أثمان الأراضى عنوانا للنقاش. الغريب أننى لم أعثر فى صحافتنا على تحقيقات أو تقارير تصور معاناة الأهالى مع اللجان التى تتعسف فى تقديراتها. فقط تعرض الصديق محمد أمين بقوة وعمق فى عموده اليومى، وطلب تدخل رئيس الجمهورية، وأنا أدعو لتدخل عاجل من المهندس شريف باعتباره رئيسا للجنة الأراضى وباعتباره أيضا، مساعدا لرئيس الجمهورية.
- الدكتورة هالة زايد
لا أعلم على وجه اليقين،سر تمسك وزيرة الصحة
هالة زايد بنظام التكليف الجديد للأطباء، أو المزايا الكامنة فيه.مزايا لاتدركها نقابة الأطباء، أو الأساتذة الكبار فى المهنة.
لا أعتقد أن الوزيرة ممنوعة من الظهور الإعلامى لكى تظهر فى الصحف أو الفضائيات لتشرح مبرراتها بفرض النظام الجديد. ولو كان لدينا نظام أكثر شفافية، لجمعها أحد الاعلاميين فى دائرة حوار هى ومساعديها إلى نقيب الأطباء وعدد من أفراد مجلسه. مناقشة حرة لساعة أو أقل ستنهى الأزمة، أو على الأقل سيعرف الرأى العام من على خطأ ومن على صواب. وليت الوزيرة تقبل دعوة نقيب الأطباء لمناقشة الأمر فى هدوء وصراحة.
أخشى أن تكون هذه القضية، كغيرها من القضايا غير المدروسة جيدا، تمت صناعتها أو صياغتها بعيدا عن الوزارة وتم تقديم الملف للوزيرة جاهزا !.
نقلا عن المصرى اليوم