محمد حسين يونس
لو إستطعت .. لمحوت هويتي ولقبي من كل السجلات الرسمية .. و لاخترت لنفسي إسما أخر إفرنجيا طويلا يصعب النطق به علي زبانية هذه الايام من تلاقيح الحكومة .. و لعشت ما تبقي من حياتي في ركن بعيد منعزلا لا تصل إليه أيديهم بأوراقها الرسمية..فالمواطن في بلدنا مذلا مهانا لمجرد أنه قد تم إنجابه علي هذه الارض المجنونه طاردة أبناءها ، محطمة كبرياؤهم بعصا حكامها الغليظة، ساحقة كل أمل يبدو في الافق يبشر بحياة كريمة تحت مظلة العدل و الحرية و المساواة .
حصلت علي اول ثانوية عامة .. في تاريخ مصر 1956 .. و ذهبت لاول مكتب تنسيق قبول للجامعات .. فكنا الرواد الذين طبقوا علينا نظامهم الاغبي بين أنظمة الالتحاق بكليات التعليم العالي في العالم.. و هكذا شحنني مجموعي لاصبح من أبناء دفعة العدوان الثلاثي بهندسة عين شمس .
لقد كانت مهنة مهندس ما قبل ذلك الزمن وظيفة راقية من وظائف الصفوة .. و كان كل منا يزهو و هو يحمل المسطرة ال(تي ) ذهابا و إيابا إلي الكلية يكاد أن يصيح فخرا بين المارة و الجيران بأنه سيصبح مهندسا .
و تمر الايام نطفح فيها الكوته عملا وشقاءا ، إحتمالا للجهد المبذول برضي و محبة و تجاهلا لاسوأ الظروف و البيئات غير الصحية التي عشنا فيها ، نكافح من أجل أن نجعل إنسان هذا المكان أسعد و أكثر توافقا مع العصر ومع ذلك ينحدر ترتيب المهندس و الطبيب و الصيدلي في السلم الطبقي تدريجيا حتي يسبقهم السادة القضاة أو لابسي الزى الميرى الكاكي و الابيض خصوصا من يحملون منهم غصون الغار علي كاباتهم .
لو كنت قد حصلت علي مجموع أقل و إلتحقت بكلية الحقوق لكنت قد أصبحت من أصحاب الحصانة الذين يهبهب علي عرباتهم الكلب البوليسي المدرب علي اكتشاف الممنوع فلا يستطيع أى مخلوق أن يقترب من السيارة المهبهب عليها إلا بعد الاتصال بالنائب العام شخصيا ليرسل من يفتش العربة و إلا يصبح التفتيش باطلا .. و الباشا يخرج زى الشعرة من العجين ولا يبق ساعة واحدة في الحجز ؟؟ جتنا نيلة في حظنا الهباب قال مهندس وطافح الكوته قال .
لو كنت قد حصلت علي مجموع أقل من القليل السابق ذكرة .. لدخلت كلية البوليس و أصبحت من الذين يديرون عملهم بقلب جامد زى الفولاذ بما في ذلك اللعب بأعصاب الرجالة و إغتيالهم في المقرات الحكومية دون أى رادع أو حتي ضمير يؤنب صاحبة .. جتنا نيلة في حظنا الهباب . قال دكتور إنساني معرض لكل أنواع الامراض و العدوى قال .
لو كنت قد حصلت علي مجموع يا دوبك يعدى .. لدخلت الكلية الحربية .. وأصبحت يا سعدك يا هناك لو البلية لعبت و الحظ إبتسم لك و بقيت الشخصية التي يشار إليها بالبنان
تملك الارض و ما عليها من ناس و حيوانات و أثار .. و تأمر فيجرى الكل ليحقق أمانيك قبل أن تنطق بها ..هذا غير إستمتاعك بكورال الجوقة اللي حتغني لك .. و بفنون من يرقص أمام موكبك .. جتنا نيلة في حظنا الاغبر .. كان لازم تدخل صيدلة .. و تشوف المر من كل من هب و دب ..
و لا صحافة و تتسجن حتي لو كنت نقيبا للصحفيين ..و لا إقتصاد وسياسة و لا تجد مكانا في أروقة الحكومة فكل الكراسي محجوزة مسبقا لابناء الكبار و لا أداب و يمرمرطوا بيك الارض حتي لو أصبحت الدكتور الأستاذ في الجغرافيا جمال حمدان
لقد ضللت طريقي و بصراحة لو أنني كنت أعرف خاتمتي ما كنت حصلت علي الثانوية العامة بأكثر من 50% .. لكن حظي الهباب جعلني أقع في فخ الهندسة ..في بلد لا يحترم إلا أصحاب الحصانة اللي إحتلو دماغنا و مش عايزين يخرجوا منها و لا بالطبل البلدى .