أمينة خيري
فرق كبير جدًا بين أن تقوم بما ينبغي عليك القيام به من عمل، وفي الوقت نفسه تكون متسلحًا بإيمانك ممارسًا طقوسك، وبين أن تتسلح بإيمانك، وتمارس طقوسك، وتترك جزئية العمل تتقاذفها الظروف، وتعلب بها الأقدار!
وفرق كبير بين أن يدعو رجل دين الناس إلى الرضا بالمقسوم وشكر الله على ما قدره لهم من رزق ولو قليلًا فقط، وبين أن يدعوهم للرضا والشكر، ولكن مع تكثيف العمل والتركيز فيه بغية تحسين مستوى المعيشة والخروج من دوائر الفقر المغلقة.
وفرق كبير بين أن تثني المؤسسات الدينية على جهود رجال الإطفاء في إخماد الحرائق وتوعية الناس بالابتعاد عن موقع الحادث حتى لا يتسببوا في إعاقة عمل رجال الإطفاء، وبين أن تنشر منشورًا يقول: "إذا رأيتم الحريق فكبروا، فإن التكبير يطفئه".
دعك أصلاً من التساؤل حول علاقة دار الإفتاء بحريق إيتاي البارود أو غيره، والفائدة التي أضافتها على الحادث أو أي حادث آخر، سواء كان حريقًا في أنبوب بترول أو انقلاب عربة بطاطس على الطريق، ولنتساءل: ألم يلفت نظر المؤسسات الدينية في عدد من الحوادث ما يستحق المراجعة الذاتية والمصارحة النفسية؟
بالطبع علينا الدعاء والتوجه إلى السماء لرفع البلاء والتخفيف منه، لكن ألا نحتاج كذلك إلى النظر في تركيبة الشخص التي تدفعه إلى سرقة مادة بترولية من قلب حريق مميت ضخم؟
وألا نحتاج إلى البحث فيما أصاب من سارعوا إلى تعبئة البطاطس المفروشة على الطريق بعد انقلاب السيارة النقل؟ وألا نستحق قليلاً من البحث في هذه الشخصيات التي تحيط بنا في كل صوب، والتي تهرع للصلاة في الزوايا التي باتت منتشرة في كل وزارة ومؤسسة وشركة ونادٍ، لكنها متقاعسة في عملها، متدنية في تصرفاتها مع المواطنين، مفتقدة إلى أبسط قواعد النظافة الشخصية والعامة في تفاصيل حياتها اليومية؟
حين يموت أحدنا فجأة، فيفجع الجميع، ونبدأ في التدبر والتفكر في تفاصيل حياتنا وعلاقاتنا وإنسانيتنا علنا نصحح الأوضاع المقلوبة، وفجأة يخرج علينا من "يكشف عن عمل يقي موت الفجأة" (آه والله) هكذا قال، واستطرد بأن الصلاة تقينا المفاجأة بملك الموت، وأن الاستعداد للطاعات، ومن بينها الصلاة، يقي الإنسان فجأة الموت.
وأوضح أن الشخص الذي يفاجأ بالأذان سيفأجأ بملك الموت في لحظة من اللحظات، عكس الذي يستعد للصلاة الذي سيعرف بموته قبل وقوعه، ولن يفاجئه ملك الموت!
وهل موت الفجأة بالفعل رسالة إلى كل راقصة لتستر نفسها وتتقي الله؟!
هل هذا هو كل ما نراه في الموت؟
وهل هذه هي العبرة الأساسية فيه؟
لن أتطرق إلى مسألة تحديث أو تنقية أو تطوير الخطاب الديني لأن الأمل بات مفقودًا فيها، لكن ينبغي التطرق إلى المضي قدمًا رغم دروس السنوات التسع الماضية- منذ أحداث يناير 2011- التي كشفت لنا عما فعله الفكر الديني المنغلق بنا، وعما آلت إليه أدمغة الناس التي تمت السيطرة عليها بفعل جماعات وأفراد انتهجوا فكرًا دينيًا يكاد يكون مستقلاً عن الدين نفسه.
ألا نستحق وقفة، بعد هذا الكم المذهل من المعاناة السياسية والفكرية والأيديولوجية التي شهدناها، وبعد تأكدنا من أن الهوة بيننا وبين دول عدة في العالم باتت سحيقة؟!
السعودية تمضي قدمًا في التخلص من عقود من الانغلاق والجمود والرجعية.
دول إفريقية عدة تقفز قفزات شاسعة لتحقق نموًا اقتصاديًا وتعليميًا وفكريًا لا نعلم عنه شيئًا.
ألا نستحق أن نجد من يمد إلينا يد العون لوقف تسونامي التغييب الديني المرتدي عباءة لا علاقة لها بدين معروفٍ أنه دين التسامح والتنوير والقراءة والتفكير، والمستمر في دفعنا نحو هاوية سحيقة؟ وقتها لن يكون الدعاء وحده كافيا لإخراجنا منها.
نقلا عن مصراوى