د. محمود العلايلي
كانت الظروف المحيطة وقت صياغة دستور 2014 أقوى من رغبة لجنة الخمسين فى وضع دستور تتوافر له أسباب الدوام لأطول فترة ممكنة، وذلك للأسباب التالية:
- أن هذا الدستور جاء ليعدل دستور 2012 المعطل الذى سيطر على كتابته الإخوان والسلفيون، بالإضافة إلى أنه جاء فى أعقاب العديد من الإعلانات الدستورية.
- أن لجنة الخمسين قامت بالعمل على التعديل الذى أجرته لجنة العشرة المكونة وقتها من القانونيين والمتخصصين الدستوريين.
- أن لجنة الخمسين نفسها كانت خليطا من توجهات اجتماعية وسياسية ودينية مختلفة، وهو المطلوب فى مثل هذه الشؤون، ولكن ما لم يكن مطلوبا أن كل تيار حاول أن يوجه الوثيقة حسب اعتقاده، حتى إن بعض المواد خرجت بتوجهات اقتصادية واجتماعية متناقضة مع مواد أخرى فى نفس الوثيقة.
وبتناول الشق الدينى فى الدستور، فقد نادينا بإصلاح دينى دستورى وقت طرح التعديلات الدستورية 2019، وكان الرد أن هناك نصا فى ديباجة الدستور ينص على الحكومة المدنية، وأن المادة 200 المستحدثة تنص على أن القوات المسلحة تقوم بـ«الحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها»، ولكن واقع الأمر أن هذه الوثيقة لم تكتفِ بالحفاظ على نص المادة الثانية كما هى بتعديل أنور السادات بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، بل زادت عليها المادة السابعة بوضع كل ما يخص الدين الإسلامى والشريعة فى يد مؤسسة الأزهر فى مادة منفصلة، أعطت للأزهر ولشيخه وضعا خاصا غير مسبوق، فى مواءمة مفهومة، مع التيار السلفى للتخلى عن المادة 219 فى الدستور الذى سبقه التى نصت على مرجعية أهل السنة والجماعة.
وإذا طبقنا هذا على الواقع العملى كمثال، سنجد أن مؤسسة الأزهر استندت على نصوص هذه المواد الدستورية بإصدارها مشروع قانون الأحوال الشخصية بحسب تصريح شيخ الأزهر فى «الأهرام» بتاريخ 31 أكتوبر، والذى ذكر فيه نصا: «أن الأزهر لن يفرط فى رسالته قيد أنملة فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية، فنحن حراس على هذه الأمانات، والإسلام بشريعته أمانة فى أيدينا، وهذا حقنا كفله لنا الدستور والدولة، وقبل ذلك وبعده جماهير الأمة فى شرق البلاد وغربها»، وذلك فى نص واضح باستحواذ الأزهر التام على كل ما يخص الدين الإسلامى، ليس فقط استنادا إلى الدستور، ولكن كما ذكر فضيلة الإمام الأكبر استنادا إلى جماهير الأمة، فى رسالة مفهومة ليست الأولى من نوعها.
وحقيقة الأمر أن هذا الموقف يضعنا من ناحية فى مأزق سياسى، حيث إنه من المفترض أن تكون سلطة إصدار هذا النوع من القوانين من المتخصصين القانونيين والمتخصصين فى علوم الاجتماع والسلوك، على أن يُستشار رجال الدين فيما يخصهم، ولكن الأزهريين يُصرون على اختصار علوم الدنيا فى الفقه والشريعة، كما يؤكد الأزهر اختصاصه بالمسألة طالما كانت فيها أى مسحة دينية، حيث يرى الإمام الأكبر أن «العامة لا تقبل أن يُقنن لها من لا علم له بشريعته أو بأمور الأسرة من زواج وطلاق وميراث وغيرها»، وهنا يظهر المأزق الدستورى للمعضلة حيث لا نعلم ماذا يمكن أن يكون مصير مشروع هذا القانون أو غيره إذا صدر عن أى مؤسسة أخرى ولم يوافق عليه الأزهر وعلماؤه، مستندين إلى نص المادتين الثانية والسابعة من الدستور؟
إن الجدل هنا ليس صراعا بين مؤسسات بقدر ما هو صراع بين مرجعيات، ففى الوقت الذى يرى الأزهر مرجعيته فى توفيق حياة الناس فى الربع الأول من القرن الحادى والعشرين على حياة العرب فى صحراء الحجاز فى القرن السادس، نرى أنه إن كان للمرجعية الدينية والتقاليد الاجتماعية وزن، فإن المرجعية المرجحة يجب أن تكون للعقل دائما مستندا على العلوم الحديثة والخبرة الحياتية.
نقلا عن المصرى اليوم