حمدي رزق
تلقيت تعليقًا على مقال «بابا العرب» من العلّامة د. مينا بديع عبدالملك- أستاذ رياضيات متفرغ بهندسة الإسكندرية- والمساحة مفتوحة للمزيد. طالعت مقالكم المنشور حول فيلم «بابا العرب»، وأشارككم الدهشة من البيان الصادر عن دير «القديس الأنبا بيشوى»، وهو الدير الذي اهتم البابا شنودة بإحياء الحياة الرهبانية به، ولكنى أرفض أن يقوم دير من الأديرة بتمويل أي عمل فنى، لأن أديرتنا القبطية مهتمة بحياة الصلاة والعبادة، أما الأعمال الفنية فمكانها المراكز الثقافية، وأخشى ما أخشاه، وبالمقابل، أن يلجأ دير القديس مينا بمريوط، الذي تأسس منذ 60 عامًا، إلى إنتاج فيلم عن «رجل الصلاة» وهو البابا كيرلس السادس!!.
كما أنه من غير المفهوم أن يقوم دير بتمويل أي عمل فنى، لأن ذلك يأتى على حساب فقراء كثيرين في أشد الاحتياج للطعام والشراب والملبس وتعليم أولادهم في المدارس والجامعات، وللحق كان البابا شنودة نفسه يهتم بتوزيع كل ما يصله من أموال على فقراء شعبه، كما أنه أسس «لجنة البر» بالقاهرة والإسكندرية لسداد احتياجات الفقراء. كثيرًا ما كان المحيطون بالبابا يقولون له: «كثير من المحتالين يندسون وسط المحتاجين الحقيقيين»، فكانت عبارته البليغة: «نعطى المحتالين من أجل المحتاجين».
تعود معرفتى بالبابا شنودة إلى وقت أسقفيته للتعليم، وكنت أحرص على حضور محاضراته بالقاهرة يوم الجمعة، وفى الصباح أحضر صلوات القداس مع البابا كيرلس السادس. وبعد أن تولى البابا شنودة بطريركية الإسكندرية حدث خلاف بيننا بسبب هدم مقر بابوى تاريخى يعود إلى البابا مرقس الثامن، البطريرك 108 (1799- 1809).
كنت أتمنى الاحتفاظ بهذا المقر، لكن فاعلى الخير أساءوا أكثر إلى العلاقة بينى وبين البابا، إلى أن كان يوم السبت 15 مارس 1997 وحدث اجتماع بيننا بالإسكندرية، وهنا أدرك البابا شنودة عدم وجود أغراض شخصية عندى، وصدق محبتى له، وبنوتى للبابا كيرلس السادس، وقرابتى الجسدية للأب متى المسكين.
نعم.. كان خلاف البابا شنودة شائكا بفعل بعض الأطراف الخارجية، وكذا خلافاته مع د. جورج حبيب بباوى، د. ميلاد حنا، د. وليم سليمان قلادة، د. سليمان نسيم، أسرة تحرير «مجلة مدارس الأحد»، وبكل أمانة كنت في جلساتى معه أحاول التوفيق بين جميع هذه الأطراف، وكنت أجد منه روح الاستجابة، لكن الأصوات المعادية كانت أقوى منى، ومن هنا كيف سيتم عرض هذه المشاكل في الفيلم؟ وبالمثل في خلاف البابا شنودة مع الرئيس السادات، الموضوع شائك وغير متعلق فقط باتفاقية «كامب ديفيد»!.
ولا أخفى سرًا، حاول البابا شنودة أن يناقشنى في كتابات الأب متى المسكين، فكنت أقول له: «جميع كتب أبونا متى المسكين عندى سواء قمت بشرائها أو وصلتنى هدايا، وعند قراءتى لها فإنى أستفيد من الذي أفهمه، أما الذي لا أفهمه فإنى أقوم بتأجيله حتى يأتى الوقت لفهم المكتوب»، فكان يستجيب لإرادتى.
حاول معى بطرق غير مباشرة أن يرسمنى أسقفًا عامًا بعد فترة من الرهبنة، فكنت أقول له تلطفًا: «أنا لا أعرف كيف أقول (آمين)»، وكان هو يعلم ذلك عنى.. لذلك من الأفضل أن يبتعد الدير عن هذا العمل الفنى، ولنترك الخلافات الشخصية جانبًا ونهتم بحياة الصلاة.
نقلا عن المصري