عادل نعمان
لسنا فى حمى القانون، فما زالت المادة (98 فقرة 2) من قانون العقوبات، تجيز الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات فى قضايا الرأى والنشر، وما زالت دعاوى الحسبة تُرفع من الجهلاء ضد أصحاب الرأى والفكر مخالفة بذلك الدستور الحالى، الذى لا يجيز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية، ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى (مادة 67) ولا توقع عقوبة سالبة للحريات فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية (مادة 71 من الدستور)، ولسنا فى حمى مجلسنا النيابى الذى تكاسل عن تعديل هذه القوانين التى تساير وتتسق وتتفق مع الدستور الجديد كما ألزمه بذلك الدستور، وألزم الدولة بإصدار القوانين المنفذة لأحكام هذا الدستور (مادة 224)، وهم مهمومون بكسب ود وأصوات تيار جارف يتأثر ويتعاطف مع ما يرسله تيار الإسلام السياسى من رسائل مضللة، وأحاديث ومرويات موضوعة، تدفعهم دفعاً إلى ساحات المعارك والقتال، يتقاتلون دون عداوة، وينتقمون دون ثأر، ويسيئون دون بينة، ويدينون دون جريمة، ويحاكمون دون عدل، ولهم الغلبة بما يزيفون ويكذبون، وذات المجلس خالف الدستور حين رفض مشروعاً بقانون تقدمت به الدكتورة آمنة نصير يتسق ويتفق مع ما اشتمل عليه الدستور. ولسنا فى حمى تعريف واضح وصريح لازدراء الأديان، نتجنبه ونحيد عنه كلما حففنا فيه عند الكتابة، فهو تعريف مطاط وعريض وواسع يستوعب كل المطاردات والملاحقات فى الجد وفى الهزل، ويساوى بين الفكرة وصاحبها، والاجتهاد والمجتهد، والفتوى والمفتى، والتفسير والمفسر، ويضع بين الأنبياء والرسل شركاء ووسطاء من البشر تقارب مقاماتهم مقام الأنبياء، وتعلو هاماتهم هامات خلقه، ويرفعون اجتهادهم رفعة التنزيل، والويل كل الويل لمن فتح باباً للنقاش أو الرفض أو النقد كمن أنكر معلوماً من الدين بالضرورة وجب عليه الحد. ولسنا فى حمى رجال القانون فما زال نص مادة الحبس حكماً بين الأطراف، لا تلزم ولا تجيز ولا تعفى من الحبس، بل ترك المشرع مصيرنا رهن الأقدار والظروف والأحوال، فمن يحرر ومن يحول الأمر ومن يحاكم ابن بيئته وثقافته، وباب التعريف مفتوح على سعته يدخله المساكين كلما شاءت وساءوا، لن نخاطب غير الرئيس أو السيد الرئيس. فليس لنا باب غير بابك، ولا سبيل سواك، ولا حماية غير حماك.
كل ما فيها أننا سمعنا منادياً ينادى بتجديد الخطاب الدينى، وحمدنا الله على شجاعته فلم يجرؤ غيره فى تاريخنا على هذا من قبل، ورأينا هول ما تصنعه الجماعات الإرهابية فى أولادنا وبلادنا، وما دمرته فى بلاد الجوار، نحرت وحرقت وذبحت واغتصبت وباعت واشترت خلق الله، فكان الإذن بالبحث حول من هذا الذى أفسد علينا ديننا؟ ومن أين أتاه هذا اليقين؟ ومن الذى دفع أبناءنا إلى هذا المصير؟ وأين المفر وكيف النجاة؟ ففتحنا الأبواب الموصدة، وأطلقنا القيود المصفدة، وكشفنا المسكوت عنه فى تاريخ المضللين والوضاعين والمسيئين لديننا، وكأننا فتحنا على أنفسنا نار جهنم، كذب وتزوير وخداع وتزييف وتدليس وافتراء على ديننا ونبينا، منهم من كذب وضلل وسرق، ومنهم من حاد عن منهج الحق، ومنهم من كان مجتهداً فى عصره كارثة فى عصرنا، ومنهم من رأى أمراً نرى غيره، فما القضية هنا وما الكارثة التى صنعناها؟ حتى نطارد ونلاحق من هؤلاء جميعاً؟ ولماذا لا يكون الحوار على رؤوس الأشهاد، كل يرفع بيانه وحجته، والحكم بيننا وبينهم حق الله وحق العباد، أوليس القتل والملاحقات والمطاردات سبيل العاجزين والمفلسين والمستضعفين؟، ألا والله لأنها قد جاءتهم من غيرهم، ولو كانت من عندهم لخرسوا وسكتوا، وأدلل على ذلك، أنهم لم يناصبوا الشيخ الألبانى العداء، حين مال على الشيخ الشعراوى ميلته الكبرى، فلم يرفعوا له حاجباً أو إصبعاً، كما كشروا عن أنيابهم للدكتور خالد منتصر وقد مال ميلاً رقيقاً ناعماً، ولم (يفتح على الآخر).
فيما قال الشيخ الألبانى عنه (نصاً وحرفاً)، بعد أن أثنى على بلاغة ألفاظه، إنه يراه منحرفاً عن العقيدة، ويؤول الآيات بما لا يناسب مفاهيم العصر الحاضر، ويرى الألبانى ألا يؤخذ منه العلم، لأن العلم شىء والأسلوب شىء آخر، وعنده أسلوب جذاب وليس عنده العلم الصحيح، والذى يريد أن يستمع إليه مأخوذاً بروعة أسلوبه، يجب أن يأخذ حذره من أن يتلقن منه ما ليس بصحيح.
فليحاكموا الشيخ الألبانى أولاً على تخطيه حد القداسة، وغيره كثيرون، قبل أن يحاكموا خالد منتصر.
الشيخ الشعراوى ليس نبياً أو هادياً ونذيراً، وليست فيوضاته ملزمة، من أخذ بها نجا ومن تركها هلك، ومن انتقدها دخل السجن بدعوى ازدراء الدين، نحن لا نأخذ ديننا منه أو من غيره، ديننا فى كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة التى تتفق مع القرآن ليس غير، أما الفيوضات هذه فقد خدعتنا يوماً، وحملت كما حملت بعض النساء بعضاً من سفاح.
سيدى.. لن نطوى الصحف، ولن نرفع الأقلام، وسنظل خلفك نحارب الإرهاب ومن صنعه وأيده وموله، فى حماك ورعايتك.
نقلا عن الوطن