حمدي رزق
لكى يطمئن قلبى على صورة المحروسة خارجيًا، قلت أطالع موقع CNN بالعربى'> CNN بالعربى، طالع معى أخبار مصر التى ترسم صورة مصر، الخبر المتصدر: «الجزية وختان الإناث.. أبو النجا (الممثل خالد أبوالنجا) يربط الشعراوى بالفكر الوهابى»، الخبر المنافس مصريًا: «تفاعل واسع حول ساويرس (رجل الأعمال نجيب ساويرس)، ولو أراد الله للنساء الحجاب لخلقهن به»، الخبر الثالث متصدرًا: «مصر تفتح سجن طرة بعد تحذيرات من ظروفه الوحشية».
ثلاثة أخبار سلبية، حتى خبر سجن طرة، الذى يلوح فيه بريق، تفاصيله تغم وسلبية تمامًا، ثلاثة أخبار ترسم صورة مجتمع ينتحر خلافًا حول قضايا ماضوية غارقة فى التسطيح والجهالة والقبح. العالم بلغ عنان السماء، ونحن نفرك أصابع أقدامنا فى سفح جهلنا، نحترب على غطاء الرأس، وعلى فكر شيخ تولاه الله برحمته، ويشتد وطيس معارك سلفية سفلية تسكن أعماق أنفسنا المظلمة.
طالع أى موقع إخبارى فى العالم، من BBC البريطانية وحتى الحرة الأمريكية، ستجد العناوين الثلاثة حاضرة بشحمها ولحمها، أقصد بعناوينها وتفاصيلها وزيادة تعليقات قبيحة، أخبار لا تعبر بحال عن صورة مصر المدنية الحديثة، مثل هذه الأخبار ترسم صورة زائفة لمصر، يرسمها أبطال مزيفون، يعمدون كرموز إلكترونية، ويُنقل عنهم الكلم الصالح للتشويه، ويتبوأون المنصات الإلكترونية، وفى يمينهم التريند!
هناك فى الريف والصعيد والعاصمة، ملايين فى صمت وصبر تكد وتتعب، وعلماء وباحثون وكُتاب ومفكرون ومبدعون، كالدر المنثور على شواطئ الترع فى المحروسة، مصر تنجب يوميًا ألف شاعر وألف أديب وألف روائى وألف فنان وألف عالِم وألف طبيب، ألوف مؤلَّفة، بطن عفية خصبة، وأمة جبارة متخمة بفيض الحضارة، وشعب كريم تحسبهم أغنياء من التعفف.
ما هذا الذباب المتساقط تساقطًا من سماء التريند على الوجه الجميل، الشيخ الشعراوى مضى إلى ربه، والحجاب صار لباسًا اجتماعيًا، واختيارًا شخصيًا، والنقاب يحكمه القانون، والتفكير متاح، والتكفير مُجرَّم، والبيِّنة على مَن ادّعى، لماذا تستجلبون علينا ما لا نحب ونكره من غثاء، لماذا ترسمون هذه الصورة الكابية، لماذا تُصدِّرون عنا أسوأ ما فينا؟! فيها حاجة حلوة بالضرورة، ولكن الشوف مش نظر، الشوف الحقيقى وجهة نظر (مقولة لينين الرملى فى مسرحية وجهة نظر).
الخبر الرابع على التريند، بلاغ من محامٍ طالب شهرة ضد الصديق خالد منتصر، بتهمة إهانة الشعراوى، مجددًا الشعراوى، مسلسل لا تنتهى حلقاته، هكذا نُجَرّ فرادى وقطعانًا إلى محاكم التفتيش، للخلف در، نستدعى قضايا ماضوية، ونحترب، وننتحر معلَّقين من رقابنا على شجر «تويتر»، ونجتهد فى تلطيخ حوائط «فيسبوك».
أَعمى يَقودُ بَصيرًا لا أَبا لَكُمُ/ قَد ضَلَّ مَن كانَتِ العُميانُ تَهديهِ.. هل هذه مصر أرض النعم، هل هذه صورتنا، مَن الذى يلطخ الصورة بكل هذا السواد؟! كفاكم.. مصر أجمل من كده، وأرقى من كده، وتستحق صورة أبهى من كده، منكم لله يا بُعدا.
نقلا عن المصرى اليوم