في مثل هذا اليوم 14 نوفمبر 1954م..
رواية محمد نجيب..فى كتبه المتناقضة..والتى ادعى تاليفها..
يوم 14 نوفمبر 1954 توجه محمد نجيب من بيته في شارع سعيد بحلمية الزيتون إلى مكتبه بقصر عابدين وكان قد لاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية وعندما نزل من سيارته داخل القصر فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربي ومعه ضابطان و10 جنود يحملون الرشاشات يحيطون به. صرخ في وجه حسين عرفة طالبا منه الابتعاد حتي لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهوري فاستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربي. لاحظ نجيب وجود ضابطين من البوليس الحربي يتبعانه أثناء صعوده إلي مكتبه نهرهما فقالا له إن لديهما أوامر بالدخول من الأميرالاي حسن كمال "كبير الياوران" فاتصل هاتفيا بجمال عبدالناصر ليشرح له ما حدث فأجابه عبدالناصر بأنه سيرسل عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ليعالج الموقف بطريقته.
جاء عبد الحكيم عامر وقال له في خجل "أن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية" فرد عليهم "أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسؤولا عن ضياع السودان أما أذا كان الأمر إقالة فمرحبا". أقسم عبد الحكيم عامر أن إقامته في فيلا زينب الوكيل لن تزيد عن بضعة أيام ليعود بعدها إلي بيته لكنه لم يخرج من الفيلا طوال 30 عاما.
خرج محمد نجيب من مكتبه في هدوء وصمت حاملا المصحف مع حسن إبراهيم في سيارة إلي معتقل المرج وحزن علي الطريقة التي خرج بها فلم تؤدي له التحية العسكرية ولم يطلق البروجي لتحيته وقارن بين وداعه للملك فاروق الذي أطلق له 21 طلقة وبين طريقة وداعه. عندما وصل إلي فيلا زينب الوكيل بضاحية المرج بدأ يذوق من ألوان العذاب مما لا يستطيع أن يوصف فقد سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار البرتقال واليوسفي من الحديقه وحملوا من داخل الفيلا كل ما بها من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف وتركوها عارية الأرض والجدران. كما صادروا أثاث فيلا زينب الوكيل صادروا أوراق اللواء نجيب وتحفه ونياشينه ونقوده التي كانت في بيته ومنعه تماما من الخروج أو من مقابلة أيا من كان حتى عائلته.
أقيمت حول الفيلا حراسة مشددة حيث كان علي من في البيت ألا يخرج منه من الغروب إلي الشروق وكان عليهم أن يغلقوا النوافذ في عز الصيف تجنبا للصداع الذي يسببه الجنود. اعتاد الجنود أن يطلقوا الرصاص في منتصف الليل وفي الفجر وكانوا يؤخرون عربة نقل الأولاد إلي المدرسة فيصلون إليهم متأخرىن ولا تصل العربة إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من انصراف كل من المدرسة فيعودون إلي المنزل مرهقين غير قادرين علي المذاكرة.
كانت غرفته في فيلا المرج مهملة بها سرير متواضع يكاد يختفي من كثرة الكتب الموضوعة عليه وكان يقضي معظم أوقاته في هذه الحجرة يداوم علي قراءة الكتب المختلفة في شتي أنواع العلوم خاصة الطب والفلك والتاريخ ويقول محمد نجيب: "هذا ما تبقي لي، فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ القرآن أو أتصفح الكتب المختلفة".
أثناء نكسة 1967 ارسل برقية لجمال عبدالناصر يطلب منه السماح له بالخروج في صفوف الجيش باسم مستعار الا انه لم يتلق أى رد منه وظل علي هذا الحال حتي تم إطلاق سراحه بواسطة الرئيس السادات في عام 1974 عقب الانتصار الذي تحقق في حرب أكتوبر 1973 ورغم هذا ظل السادات يتجاهله تماما كما تجاهله باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة.
يقول محمد نجيب في مذكراته قال لي السادات: "انت حر طليق" لم أصدق نفسي هل أستطيع ان اخرج وادخل بلا حراسة هل استطيع ان اتكلم في التلفون بلا تصنيت هل استطيع ان استقبل الناس بلا رقيب. لم اصدق ذلك بسهولة فالسجين في حاجة لبعض الوقت ليتعود على سجنه وفي حاجة لبعض الوقت ليعود إلى حريته وانا لم اكن سجينا عاديا كنت سجينا يحصون انفاسه ويتصنتون على كلماته ويزرعون الميكرفونات والعدسات في حجرة معيشته. كنت اخشى ان اقترب من أحد حتى لا يختفي واتحاشى زيارة الاهل والاصدقاء حتى لا يتعكر صفو حياتهم وابتعد عن الأماكن العامة حتى لا يلتف الناس حولي فيذهبون وراء الشمس ولكن بعد فترة وبالتدريج عدت إلى حريتي وعدت إلى الناس وعدت إلى الحياة العامة.!!