سحر الجعارة
على صفحة الإعلامى والطبيب «خالد منتصر»، رئيس قسم الجلدية والتناسلية بهيئة قناة السويس، ستجد هذه الكلمات: «لن يُخرسونى ولن أدخل ضمن القطيع.. سأواصل تحطيم الأصنام بفأس القلم.. أواجه بصدر عارٍ، بدون دروع، لكنى واثق من أن العقل حتماً سينتصر، وأن النور حتماً سيتسلل من الثقب الضيق، ما يحدث من محاولات اغتيال معنوى ومحاصرة وتربص وتقديم بلاغات ولجان سفالات من الذباب الإلكترونى... إلخ، كل هذا يزيدنى ثقة من أن كلماتى موجعة للفاشيين، وفى نفس الوقت أن فكرتهم هشة وضعيفة لهذا يلجأون إلى العنف وكتم الصوت لكى يحافظوا على البيزنس الدينى فعالاً، وبوتيكات مسح الأدمغة شغالة، وسماسرة تزييف الوعى وترهيب البشر يكنزون المليارات»!.
وبتلك العبارات لخّص دكتور «خالد» سنين طويلة من «الإرهاب الفكرى»، ومحاولة قصف قلمه بالابتزاز والتشهير الممنهج والسباب بأبشع الألفاظ، كما هى عادة التيار السلفى والمتأسلمين، ولم يسلم «منتصر» بالطبع من محاولات «اغتيال الشخصية» التى تتولاها لجان إلكترونية منظمة، يتم الدفع بها لتجريد «الدولة المدنية» من عقولها ومفكريها.. من علمائها ومثقفيها وإعلامييها.
فإن لم تقتله رصاصة «التكفير» والطعن فى إيمانه والتشكيك فى آرائه العلمية مقابل فتاوى «نكاح المتوفاة ووطء البهيمة وغلق غرف العناية المركزة.. إلخ».. أطلقوا عليه رصاصة فتاكة تشكك فى عرضه وتثير الوقيعة داخل أسرته.. وهو يتحمل، ليس طمعاً فى شهرة أو منصب (هو جدير بهما) بل لحرصه على أن يكون العقل «سيدنا وتاج رؤوسنا».. وحتى لا نسير كقطيع أعمى خلف فتاوى مفخخة بألغام التحريض على القتل وتكفير الآخر وهدم بيوت الله.. وحتى لا يصبح «الإنسان» مجرد سلعة يتاجرون بها مرة لإرضاء شهوات الرجال ومرة أخرى بالموت البطىء تمجيداً للجهل ومجافاة للعقل والعلم والمنطق وكفراً بآيات المولى عز وجل: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِى الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) - المائدة 32.
إنهم يحرضون على الاغتيال المعنوى والمادى لطبيب يرفع صوت العلم «وهذا قتل نفس بغير حق».. وهذا ما حذر منه رب العزة فى الجزء الأول من الآية، والأغرب من ذلك هو أنهم، رغم إدراكهم لقيمة «الحياة» التى وصفها الخالق عز وجل فى الجزء الثانى من الآية، يجرمون كتابات الدكتور «منتصر» ويؤثمون فكره الذى يشيد بنقل الأعضاء (حسب الضوابط الشرعية)، لإحياء نفس شارفت على الموت بالعلم الذى سخّره الله للعلماء لانتشال البشر من الأمراض المهلكة!.
لقد كتبت من قبل (فى نفس الجريدة) أن الدكتور «خالد منتصر» يصر على السير فى حقل الألغام، وهو يعلم أنه يواجه مؤسسات ومنظمات ضخمة تنفق عليها «دول» لتكريس الجهل والخرافة وعبادة «أوثان التراث»، مؤسسات تمتد أذرعها الإعلامية والقانونية السياسية لخنق أى مفكر وحصار أى مجدد!.. ودكتور «منتصر» لا يملك إلا «العقل» فى هذه الحرب الشرسة التى ترتدى فيها المصالح عباءة «الإسلام»، وتتجدد فيها «الفتوحات الإسلامية» باغتيال العلماء.
نحن أمام حالة غريبة ليس لها مثيل فى المجتمعات العربية والإسلامية، فالمادة «98» من قانون العقوبات، والمسماة «ازدراء الأديان» أصبحت مصيدة للمفكرين والمجتهدين.. ورغم أن «السادات» وضعها فى القانون بعدما استخدمت الجماعة الإسلامية منابر المساجد للإساءة للدين المسيحى أصبحت تشرعن الهجوم على المسيحيين، وصارت «زنزانة العقل.. ومعتقل المفكرين»!
ومن الطبيعى فى مناخ كهذا مسمَّم بالكراهية ومعاداة العقل أن «يُجر» د. منتصر أو من ينتصر للعقل مثله إلى المحاكم، وبدلاً من تكريمه يدخل قفص الاتهام بتهمة «ازدراء الدين الإسلامى». وكأن المفروض عليه أن يتكسّب من الترويج للعلاج بالحجامة وبول الإبل، وأن يمزق شهاداته العلمية ويرتدى «عباءة» ليبشرنا بأسهل طرق الدجل والاحتيال على المرضى.. أو أن يعبد «أصنام» تيار «الجهاد التكفيرى» ويرتدى ثوب الوعظ الدينى.. ويتحول إلى نموذج من «زغلول النجار» فيحدثنا عن الإعجاز العلمى فى القرآن، وهذا المجال تحديداً مدخل لجماهيرية واسعة وثروات هائلة!
بالمناسبة.. ما كتبه دكتور «خالد» عن نقل الأعضاء ليس جديداً، لكنه يحاسب على أمر آخر وهو إصراره على عدم تقديس «الأشخاص»، ولأنه لا يعترف إلا بالمنهج العلمى.. ولأنه يصر على تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة، خاصة إذا ما كانت «الفتوى قديمة» وأنكرتها كل الدول الإسلامية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.. وإذا كانت «فتوى قاتلة» لحياة الإنسان التى كرّمها رب العزة وأعلت من شأنها كل المواثيق الدولية.
لن تكون المرة الأخيرة التى نذل فيها ونهان ونجر إلى النيابات والمحاكم بسبب «كلمة حق»!.. فالتيار السلفى يصر على أن يقمعنا ويقهرنا بالمادة 98.. وأن يعود بنا للعصور الوسطى ليصبح العلماء من السحرة والزنادقة والمهرطقين!
لا بل يصر على ألا تخرج مصر من خندق التخلف العلمى لتصبح دولة عصرية.. إنه انتهاك لحق المريض، واعتداء صارخ على الدستور، وتلاعب فاضح بمواد القانون.. وفى القانون تسمى مادة ازدراء الأديان «مادة سالبة للحريات».. والقانون -بكل أسف- لا يُعاقب على إساءة استخدام حق التقاضى وإلهاء المحاكم والقضاة بقضايا وهمية!.
نقلا عن الوطن