حسين القاضى
عاد الحديث مرة أخرى عن فضيلة الشيخ الشعراوى، ويمكن تقسيم الذين تناولوه إلى:
1- علمانيين أو ليبراليين يرونه صاحبَ فتنة وتطرف، فأسرفوا فى كرهه، وممن ولج هذا المضمار الدكتور «خالد منتصر» والأستاذ «وائل لطفى»، حيث اجتهدا فى جمع عدد من المآخذ، ومقالى عن هذا القسم.
2- الإخوان، وتولى الهجوم عليه مرشدهم «عمر التلمسانى» فى مقال بـ«المصور» 1980م، عنوانه: «تصحيح لوقائع»، وهم أشد عداء للشيخ، لأنهم وظفوا ما اعتبروه دفاعاً عن الشيخ فى سياق الهجوم على البلاد والعباد، حتى إن أحدهم قذف ابنة الفنان «شريف منير» قذفاً صريحاً فى الأعراض، كما أن الداعية الإخوانى «عبدالسلام البسيونى» نشر مقالاً على موقع إخوانى نقل فيه نكاتاً فيها إيحاءات خارجة، زعم أنها وقعت من الشيخ، وهذا إسفاف فى التناول.
3- السلفيين والوهابيين وعلى رأسهم «الألبانى»، حيث يرونه صوفياً قبورياً ضالاً فى العقيدة، وقد نشرت مجلة «التوحيد» عدة مقالات فى تشويهه.
4- مُحبين للشيخ، أسرفوا فى حبه إلى درجة السذاجة والمبالغة، ونظروا إليه نظرة نبوية، وأنه أتى فى التفسير بما لم يأتِ به غيره، وجعلوه معصوماً لا يتطرق إليه الخطأ، ومن هذا القسم خرج طائشون وصفوا منتقدى «الشعراوى» بالفسق، ومحاربة الإسلام!
5- قسم معتدل منصف، نظر للشيخ نظرة إجلال واحترام، ورآه رمزاً كبيراً يمثل نموذجاً فريداً فى الغوص فى آيات القرآن، وتوليد المعانى، وكشف منابع الجمال فى القرآن، ولم يسبوا أو يلعنوا المعارض له، ورأوه بشراً يصيب ويخطئ، وخطؤه لا يهدم مرجعيته، ومن هؤلاء الدكتور «الطناحى»، فى مقال بـ«الهلال»، أغسطس 1998م، عنوانه: «الشعراوى والموازين الصحيحة».
والمجال لا يسع لتناول المسائل المثارة حول الشيخ، والرد على كل مسألة على حدة، فضلاً عن أن هذا منهج خاطئ لن يصل بنا إلى شىء، ولذا أقف عند رد عام متعلق بمنهج الاجتراء، وهو أنك تنظر إلى شخص فتختصره فى التقاط مآخذ هنا أو هناك وتكتفى بها، وهذا المنهج المختل تستطيع أن تُسقط به أى إنسان لو أردت.
وعليه فلم يفرق «د. منتصر» بين شخص انحرف فى منهج البحث والنظر والاستدلال، وأنكر الدولة، والمواطنة، وحجب الله عنه محاسن العلم، فاختل عقله وانحرف، وغلبت عليه تأويلات فاسدة ملتهبة، وتحول علمُه إلى نار موقدة، تمزق الأمة، وتدمر المجتمعات، وتهدم مقاصد الشريعة، فهذا خطؤه أكثر من صوابه، بل ذكر حسناته فيه خطورة؛ خوفاً من استغلاله لتدعيم منهجه، كحال قادة التيارات التكفيرية العنيفة، وبين شخص كـ«الشعراوى» كثر صوابه، واستقام فكره، وانضبط منهجه، ثم أوصله اجتهاده إلى أخطاء، فهذا لا تُهدر محاسنه، ولا نستبيح الوقيعة فيه لمجرد أخطائه كما فعل بعض العلمانيين.
إننا لا نقول بعدم انتقاده، بل إن سجدة الشيخ بعد النكسة خطأ ليس له مبرر، ورأيه فى حكم تارك الصلاة تكاسلاً غير صواب، لكن أن نخرج من هذين الموقفين بأنه يكره مصر، وأنه متطرف، فهذا تحامل وتجنٍ واجتراء عليه.
أيضاً هناك فرق بين الفتوى والحكم، فالشيخ لم يكن مفتياً بالتعريف الدقيق للمفتى أو الفقيه، بل كلامه مجرد رأى، سماه «خواطر»، وربما لم يُفهم كلامه فى سياقه العام، بدليل أنّ تفسيره ليس فيه إلحاح على هذه المسائل التى ينتقدونه فيها، بل العكس هو الصحيح.
فإذا أضفنا إلى ذلك أنه وقف ضد التطرف، وأقنع المتطرفين بالرجوع عن تطرفهم لدرجة أن الشيخ «عمر عبدالرحمن» هاجمه، وربما كفره بعض أعضاء الجماعة الإسلامية، بل إن الشيخ من أوائل الذين حذروا من الإخوان بعد أن انضم إليهم فى أول الأمر، وألح على موقفه هذا إلحاحاً سمح لى أن أجمع كتاباً كاملاً فى هذه النقطة.. وللحديث بقية.
نقلا عن الوطن