في مثل هذا اليوم 12 نوفمبر 1996م..
محمد طه (24 سبتمبر1922-12 نوفمير 1996)أحد ملوك الأرقام القياسية فقد غنى نحو 10 آلاف موال كثير منها ارتجله من وحي اللحظة بدون إعداد سابق. كان يؤلف ويلحن ويغنى كما كان صاحب فرقة موسيقية وشركة اسطوانات لكن إنجازه الحقيقي هو أنه كان الفنان التلقائي الذي لم يقلد أحداً ولم يجسر أحد على محاولة تقليده ليبقى رقماً وحده في كتاب الفن. عندما سألوه وكان في بداية الطريق عن جمهوره قال: أغني للطبقة تحت المتوسطة أنا مطرب بلدي لا شعبي أغني للريفيين المواويل التي تسعدهم وتجعلهم مستعدين لمواصلة السماع حتى لو غنيت شهراً كاملاً.
اسمه محمد طه مصطفى أبو دوح ولد في بلد أبيه "طهطا" بصعيد مصر في 24 من سبتمبر 1922 ونشأ في بلدة أمه "عزبة عطا الله سليمان" بقرية "سندبيس" التابعة لمركز "قليوب" وهو مركز ريفي بسيط يقع على مشارف القاهرة. بلدة تركت أبلغ الأثر في نفس محمد طه طفلاً وصبياً ورجلاً وظل وفياً لأهلها. في كُتَّاب القرية تعلم القراءة والكتابة ولم يتح له شظف العيش الاستمرار في التعليم أكثر من ذلك حيث اضطر وعمره 14 سنة إلى العمل في أحد مصانع النسيج بمدينة المحلة الكبرى وكان أول أجر تقاضاه 23 مليماً في اليوم وفي المصنع ظهرت موهبته حيث كان يغني للعمال في فترات الراحة.
كان الإذاعي الكبير "جلال معوض" يستعد للسفر إلى غزة لإقامة إحدى حفلات "أضواء المدينة" وطلب من "محمد طه" أن ينضم إلى الفريق المسافر لإحياء الحفل. كانت الرحلة اختباراً حقيقياً نجح فيه بتفوق فما إن اعتلى المسرح حتى استحوذ على مشاعر الجماهير التي راحت تعبر عن إعجابها وكعادته في الوفاء للأماكن ظلت "غزة" بنداً ثابتاً على سجل رحلات "محمد طه" وقد ذهب إليها للمشاركة في احتفالات الإفراج عن "الفريق أول يوسف العجرودي" حاكم غزة الذي أسره الصهاينة وغنى له من تأليفه موالين.
على الرغم من قبوله في الإذاعة وقيده في نقابة الموسيقيين ظل "محمد طه" يحتفظ بعمله في مصنع النسيج باعتباره مصدراً مضموناً لدخل ثابت لكن غيابه عن العمل تجاوز الحدود مع انخراطه في عالم الفن وتحوله إلى فقرة ثابتة من فقرات أي حفل عام يقام في مصر منذ اختاره "وجيه أباظة" مع الفنانة "نجاة" والمونولوجست "عمر الجيزاوي" ليغني في الاحتفال بعيد الثورة أمام جمهور يتقدمه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وغيرهم من القادة وغنى "محمد طه" موالاً من تأليفه.
في صباح اليوم الذي توفي فيه "12 من نوفمبر 1996" خرج محمد طه من بيته في حي شبرا الشعبي لشراء أغراض للمنزل وفي الشارع داهمته أزمة قلبية نقل بسببها إلى مستشفى "معهد ناصر" حيث توفي بعد ساعات تاركاً سيرة طيبة وتراثاً فنياً عريضاً. هكذا استطاع "محمد طه" أن يحتفظ ببساطته حتى اللحظة الأخيرة من حياته ولم تفلح النجاحات المتصلة التي حققها في أن تجعل الغرور يتسرب إلى قلبه فقد ظل فلاحاً يحيا حياة أولاد البلد الذين ينتمي إليهم وعلى المستوى الشخصي كانت أحلامه تنحصر في أن "يعيش مستوراً ويموت مستورا". كان يحلم بأن يبني مسجداً في قريته وهو ما حققه في السبعينيات كما حلم بامتلاك أرض يزرعها في قريته وتحقق الحلم.!!