د. أحمد الخميسي
تلقت وزارة السياحة عددا من الشكاوي بشأن المرشدين السياحيين الذين ينحون جانبا دورهم في تعريف السياح بالآثار وبالتاريخ المصري، وينهمكون في دعوة السياح إلى اعتناق الاسلام! وقد رأيت ذات مرة مرشدا من هذا النوع خلال رحلة قمت بها، حين ترك المرشد السياحي كل ما يتعلق بالآثار واستغرق بحماسة عبر الميكرفون موضحا لركاب الحافة الأجانب تاريخ غزوة بدر والصحابة الأربعة داعيا الجميع لاعتناق الاسلام.
ولا أنسى دهشة السياح وذهولهم وهم يستمعون إليه ويفكرون فيما بينهم وبين أنفسهم في أنهم لم يقطعوا كل تلك المسافات من بلدانهم إلى مصر، ولا دفعوا ثمن الرحلة لكي يغيروا معتقداتهم التي نشأوا عليها خلال نصف ساعة! لكنني حينذاك ظننت أنني صادفت حالة فردية لمرشد شاب قليل الخبرة، إلى أن تبين أن وراء أولئك المرشدين شبكة منظمة تجندهم لشرح قواعد الاسلام للأجانب وتوزيع الكتيبات الاسلامية بمختلف اللغات! ولم تكن مصادفة أن يصرح مؤخرا وليد البطوطي مستشار وزير السياحة الأسبق لشئون المرشدين أنه خلال فترة حكم الاخوان المسلمين انتشر عدد من الأكشاك أمام المزارات السياحية كانت مهمتها توزيع الكتب الاسلامية، مما يعني أن هناك عملا منظما وارء أولئك المرشدين.
وقد حكى لي أحد أقربائي أنه وزوجته وجها دعوة إلى العشاء لبعض الأصدقاء الأمريكيين الذين تصادف وجودهم في مصر في رحلة سياحية، وأنه سألهم عن مدى رضاهم عن رحلتهم، وكان يخشى أن الباعة الجائلين وأصحاب الجمال قد أفسدوا عليهم الرحلة بالالحاح، لكنه فوجيء بقول الأمريكيين إن الرحلة كانت ممتازة حتى عكر صفوها المرشد السياحي الذي انخرط في شرح أركان الاسلام ومحاولته الحثيثة لاقناعهم باعتناق الاسلام ثم توزيعه الكتيبات الدينية عليهم فردا فردا ! وهنا قد يجدر بنا أن نتذكر القول المعروف : " لكل داء دواء إلا الحماقة أعيت من يداويها"، فما الذي يتوقعه مرشد من سياح إيطاليين وفرنسيين وامريكيين حين يدعوهم لدخول الاسلام؟! ألا يفهم أنه لا يثير سوى الدهشة بخياله المريض الذي يصور له أن شخصا نشأ وتربى ونما على عقيدة دينية سوف يغير عقيدته في ربع الساعة ؟ هل هناك دليل على الغباوة أكثر من ذلك؟ ألم يكن من الأفضل للمرشد أن يشرح لهم تاريخ الحضارة المصرية ، والقبطية، والاسلامية، وتاريخ الآثار التي جاءوا لمشاهدتها فيكسب بذلك احترامهم له ولمصر بل وللاسلام نفسه ؟! أم أن الغباوة الاخوانية تطارد حتى السياحة في مصر؟! أيضا لا أفهم مرشدا سياحيا يتحرك بموبايل من صنع اليابان، وفي سيارة من صنع أمريكا، ويشاهد تلفزيون من صنع فرنسا، ويعمل على كمبيوتر من صنع الصين، ويرتدي حتى قمصانه من الخارج، ثم لا يفهم شيئا من ذلك الخارج إلا ضرورة أن يعتنقوا الاسلام! ولقد علق عماد محروس رئيس قطاع الادارة المركزية للرقابة على الشركات بوزارة السياحة على محاولات المرشدين السياحيين دعوة السياح الأجانب لاعتناق الاسلام وتوزيع كتيبات دينية بقوله إنه في حال ثبوت ذلك يتم شطب المرشد وسحب ترخيصه فورا، وأنه سبق بالفعل وتم شطب بعض المرشدين الذين ثبت أنهم يتحدثون في شئون لا علاقة لها بمهنة الارشاد السياحي، كما أكد أن ادارة التفتيش السياحي تقوم بالتحقيق مع الشركات السياحية فإذا ثبت تورطها توقع عليها عقوبة قد تصل لحد إلغاء الترخيص لها بالعمل نهائيا.
أما وليد البطوطي مستشار وزير السياحة الأسبق فطالب بإعادة الكشف الأمني على العاملين في قطاع السياحة بالكامل، بدءا من سائقي الحافلات حتى الجرسونات والمرشدين، وكل ما له علاقة بالسائح، وإنه أبلغ الجهات الأمنية بالواقعة الأخيرة للتأكد من صحتها للتحقيق في الأمر الذي يمثل خطورة على سمعة مصر.
وفي اعتقادي أن الموضوع لا يتعلق فقط بسمعة مصر بل وباقتصادها الذي تمثل السياحة جزءا مهما منه، ولهذا علينا أن ندقق في تأهيل المرشدين ومراقبة نشاطهم لكي ننحي جانبا الدعاة الذين يطوقون السياح يزعقون:" اسمع مني الكلام .. يا مستر يا مدام"، فإذا لم ننتبه إلي أولئك المرشدين، فلن أستغرب إذا قرأت يوما عن العثور على عقل سائح مهروسا في حنك داعية مصري!