كتبت – أماني موسى
قال أحمد الغندور الشهير بـ الدحيح، في برنامجه "الدحيح" المقدم عبر قناته باليوتيوب، أن اللغة واحدة من أهم الأدوات الاستثنائية للبشر، إن لم تكن أهمهم على الإطلاق، فهي الطريقة التي يحدث من خلالها المعجزة الكبرى، حيث يمكنك نقل الأفكار وكل ما يدور في مخك إلى مخ شخص آخر عن طريق الكلمات.
وأضاف، أن الكلمات تملك القوة على جعل المتلقي يرسم صورة الأحداث التي تقال له، كأن تقول لأحدهم رأيت طفل يرتدي تيشيرت أحمر وكاب وشورت أزرق ويقود دراجة، فتجد الآخر قد كوّن تلقائيًا صورة لهذا الطفل دون أن تريه أنت صورة حقيقية بالفعل، لكن ما حدث هو أنه من خلال اللغة تم نقل الصورة من دماغ المتحدث إلى دماغ المتلقي، ولذلك تجد أن اللغة البشرية هي ما يميز البشر عن أي كائن آخر بالكرة الأرضية.
بالإضافة إلى أن اللغة البشرية تختلف عن لغة أخرى لأي كائن حي آخر بالكرة الأرضية، مشيرًا إلى أنه حتى النمل والمحل يملك لغة يتواصل بها مع أقرانه، وأن جميع الحيوانات تملك لغة خاصة بها تتمكن من خلالها نقل المعلومة التي تريدها إلى الآخر، وأن الكلاب على وجه الخصوص تملك لغة تتواصل بها مع القطيع وتعني مفردات كبدء الهجوم، أو استشعار الخطر أو ما شابه.
لكن على الجانب الآخر تجد لغة البشر أكثر تعقيدًا، فهي لا تستخدم فقط للتعبير أو تسديد احتياجات بعينها، لكن بها ما يسمى "المجاز" الذي يراه علماء اللغة أنه السبب الذي جعل الإنسان يستخدم اللغة ليس فقط لأجل تحقيق أهداف مباشرة لكن تفكيك العالم من حولنا وإحالته لأفكار ونقلها لآخرين.
ولفت إلى أن أكثر ما يميز لغة البشر هي أنها تتخطى اسم اللغة التي يتحدث بها الشخص، بل أنها تتضمن مجازات وأفكار مجردة وتشبيهات ورموز.
ومن هنا يمكن تقسيم الكلام إلى قسمين أساسيين:
1- النوع المباشر
وهو المستوى البدائي من اللغة، حيث يعني ما تقصده، كأن تقول "بابا أنا سقطت في الامتحان: فالمعنى واضح وصريح ولا يحتمل التأويل، وذلك بخلاف جملة "أنا هطير من الفرح"، التي تعكس مدى الفرحة ولا تعني المعنى الحرفي لها بالإقلاع والطيران، وما يحدث هنا هو أن دماغ المتلقي تأخذ هذه الجملة وتقوم بتفكيكها وتخرج في النهاية بالمعنى الذي تريد إيصاله وهو أنك في حالة فرح شديدة.
وأوضح الدحيح أن هذه العبارة تريد بها نقل عدد من المشاعر المعقدة كأنك تقول للآخر أنا مش مصدق نفسي أنا مندهش جدًا، أنا فرحان أوي.
فالبشر لديهم القدرة على نقل الدرجات الشعورية التي يشعرون بها، وكثير من علماء اللغة يرون أن هذه القدرة هي التي سمحت للبشر بتكوين مجتمعات معقدة عن كائن حي آخر.
فمن خلال المجاز تمكن الإنسان من تكوين علاقات أكثر عمقًا مع الآخرين، ومن ثم أصبح لدى المرء درجات أعمق مع المجتمع ككل، فالمجاز هو نوع من الفن الذي توصلت له البشرية لتعزيز قدرتها في التواصل.
مشيرًا إلى أن كل لغة في محيط جماعي وجعرافي معين لهم مجازاهم الخاص بهم.
كما أن هناك ما يعرف باسم الألعاب اللغوية، حيث أننا في حالة لعب لغوي مستمر، فحين يقول لك السايس مثلا كل سنة وأنت طيب يا باشا، ستفهم أنه يريد منك المال، وليس أنه يهنأك بعيد ميلادك مثلا، وهو ما يسمى اللعبة اللغوية.
كما كشف علم المخ والأعصاب أن مرضى انفصام الشخصية لا يملكون القدرة على التفرقة بين الكلام المباشر والمجازي، فحين تقول له مثل "على أد لحافك مد رجليك" سيفهمها بشكلها المباشر عن الرجل واللحاف، ولن يتمكن من معرفة معناها المجازي الذي يعني اشبع احتياجاتك على قدر ما يتاح لك فقط من موارد.
وهذا يعني اختلال بالعمل العقلي، ما يؤكد كلام الباحثين حول وجود علاقة بين فهم التعبير المجازي والسلامة العقلية، وأنها جزء الطريقة التي نرى بها العالم، وحين يحدث فيها خلل يحدث خلل أيضًا في التعامل وتصور العالم.