«امنعوا الضحك» كانت عبارة رددها الفنان الكوميدى التربوى الأكاديمى الملتزم محمد صبحى فى مسرحية شهيرة بأداء يبدو فيه الجدية ليثير ضحك المشاهد أكثر.
ولكن يبدو أننا فى حاجة لكوميديا تصالحنا على الزمن الصعب، لأننا نعيش فى أزمنة التحدى والمحاربات الخارجية والداخلية الخشنة والعنيفة.. إنها معاناة البحث عن سبل للخروج من دوائر الحلول المحدودة لحدوث الانفراجة على المستوى النفسى والاجتماعى والوطنى، وعليه تزداد الحاجة إلى البسمة والضحكة والتبسط الفرح والمبهج المحتوى لكل المحيطين بحب وقبول، وتزداد تلك الحاجة مع متابعة وقائع التزييف والتدليس وانتشار حالات الاغتراب والتغييب والتهميش والانكسار.
أرى أن الكوميديا يمكن أن تنهض بوظائف تكاد تفوق ماكينات عمل مؤسسات ضخمة بكامل عتادها وقواها، لأنّها تنسلّ إلى سويداء القلب وتداعب أسارير المرء بإسعاده وإمتاعه، فضلًا عن إفادته. نعم، يرى أهل البحث والتفنن أن الكوميديا تخاطب العقل قبل القلب، ولذلك هى واحدة من آليات دعم وتحريك المتلقى لها (أفراد/ جماعات) نحو الإصلاح والتطوير والإبداع، وليس من الإنصاف ما يدعيه البعض أنّ فى ممارسة الضحك أوالابتسام ما قد يقلل من قدر وقامة المستخدم، أو أنّ فى النكتة إيحاءات وإشارات ينبغى كبتها وتشذيبها، لأنّ الأمور لا تقاس بمنظار التفاهة والاحتقار والتدنى، وفى الكوميديا ما يمكن أن نستخرج منه ما يدفع إلى التطهر.
ولأننا نعيش حالة جدب نسبى فى إبداع أشكال من الدراما الكوميدية الحقيقية لتراجع حال مبدعيها لأسباب كثيرة، قد يكون من أبرزها التعامل مع أهل إبداعها باعتبارهم الأقل قدرًا وقيمة (وعليه لا تذهب إليهم أو لأعمالهم الجوائز والتكريمات فى المهرجانات إلا فى حالات قليلة ولنجوم بأعينهم ارتبطت نجاحاتهم بعائد شباك التذاكر).. وبتنا نبحث عن الريحانى وبديع خيرى وإسماعيل ياسين وفؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولى وغيرهم من أهل الكوميديا بكل أشكالها ومدارسها فى دراما اليوم، فلا نجد إلا تركيبات مشوهة ثقيلة الظل، تفتقر للثقافة والرؤية، باستثناء عدد قليل جدًا على الساحة الفنية للأسف.
وعليه، لا نستعجب عزيزى القارئ لانتشار برامج تليفزيونية حرصت بعض الفضائيّات العربيّة على إنتاجها، يتم تخصيصها لتبادل النكات والقفشات، والبعض منها للأسف ما كان ينبغى أن تروى على شاشات التلفاز، ولكنها من وجهة نظرهم بديل جديد لدراما البسمة المطلوبة والضحكة الهادفة التى غابت!!.
فى تأبين الفنان الكوميدى العبقرى الراحل نجيب الريحانى كان للشاعر الكبير عزيز أباظة قصيدة رائعة يُعلى فيها ويُثمن كثيرًا دور الفنون وقيمتها فى حياة الشعوب، ودور فنون التمثيل والكوميدية منها على وجه الخصوص، وعطاء نجيب الريحانى بشكل أكثر خصوصية فى إسعاد الناس وتقديم فنون تبقى..
من هذه الأبيات يقول فى تكريمه لنجيب الريحانى:
قر عينًا فمصر لن تنسى نجمًا/ مشرقًا كرمته بعد المغيب
خالد أنت والخلود زكاة / الله تسدى للعبقرى النجيب
أذكر هنا تلك الأبيات وصاحبها ومن كُتبت فى تخليده، لأرصد هذه الحالة الجميلة من وحدة أهل الفنون والتواصل البديع بين مبدعيها فى ذلك الزمن.. وكيف كان يحدث ذلك رغم محدودية وسائل النشر والاتصال والإعلام.. فقد كنا نشاهد على سبيل المثال لوحات ومعارض كاملة لسيف وأدهم وانلى ترصد وتحتفى بالفنون الأوبرالية والموسيقية.. وأمثلة أخرى كثيرة فى هذا الصدد مثل هذه القصيدة لشاعر رأى فى ممثل قيمة يجب أن يتوقف عندها كل أبناء الوطن بالتحية والتحليل لإبداعاته.
نقلا عن المصري اليوم