الأقباط متحدون | اكتشافات الفين وحداشر (3)
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٠:٥٠ | الخميس ٢٦ يناير ٢٠١٢ | ١٧ طوبة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٥١ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

اكتشافات الفين وحداشر (3)

الخميس ٢٦ يناير ٢٠١٢ - ١٦: ١١ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 اكتشفنا أن التيارات الاسلامية ليست نباتات برية سطحية يسهل اقتلاعها بل أشجار راسخة امتدت فى أعماق التربة المصرية.

بقلم منير بشاى

 

هذه هى الحلقة الثالثة من سلسلة المقالات تحت عنوان "اكتشافات الفين وحداشر". وقد ذكرنا أن عام 2011 كان عاما مصيريا فى تاريخ مصر كشف لنا اعن حقائق كانت موجودة ولكنها كانت غائبة عنا. وكانت أول هذه الحقائق اتضاح أن أقباط مصر لهم صوت ووجود وحقوق، والثانية اكتشاف ان الحاكم السابق كان ظاهرة صوتية.يزأر ولكنه لا يقدر على الافتراس. واليوم نواصل الكتابة فى الحلقة الثالثة.

عرف عن المصريين المسلمين أنهم شعب متدين يسير على نهج الأزهر صاحب الفكر الاسلامى الوسطى. ولكن مرت مصر بمراحل كثيرة فى تاريخها غيرت من ملامح هذه الصورة حتى وصلت الى ما نحن عليه اليوم من تشدد دينى لا يمكن انكاره.

ما يحدث فى مصر مرتبط بوضع الأسلمة فى العالم. غفد جلب لنا نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين ضعف الخلافة العثمانية حتى انه اطلق عليها اسم "الرجل المريض" وانتهت بانهيارها تماما سنة 1922. وقد تزامن ضعف دولة الخلافة مع الازدياد التدريجى فى نفوذ الدول الأوربية المسيحية. وكان نتيجة الضغوط الاوربية على الخليفة العثمانى أنه قبل أن يحسن أحوال المسيحيين فى أقاليم الخلافة باصدار ما يسمى بالخط الهمايونى سنة 1856 والذى كان يعتبر خطوة تقدمية فى ذلك الوقت. بناء على هذا القانون تم الغاء عهد الذمة واوقف تحصيل الجزية من أهل الكتاب (المسيحيين واليهود) وسمح لهم لاول مرة بدخول الجيش والبوليس، واعلن عن حق الكنائس فى الاستقلال وتشكيل المجالس الملية لادارتها. وتم تنظيم عملية بناء الكنائس بضمان الخليفة وتوقيعه. وهذه النقطة الأخيرة انتقلت فعالياتها الى ملوك ورؤساء البلاد المستقلة لتصبح مشكلة أخرى فى المستقبل.

ومنذ سقوط الخلافة العثمانية نمت لدى المسلمين رغبة فى اعادة مجد دولة الخلافة ولذلك الغرض قام حسن البنا بانشاء نواة جماعة الأخوان المسلمين سنة 1928 بأجندة واضحة فى شعارها: ألله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا. ولا غرابة ان يقسم أعضاء هذه الجماعة بالولاء والطاعة للمرشد وعلى المصحف والمسدس والقسم يعلن أيضا قبول العضو تفسير المرشد للقرآن فوق أى تفسير آخر. وكان واضحا أن ميول الأخوان للعنف هو جزء من ايديولوجيتهم التى صبغت تاريخهم بالدموية. وقد نسب لهم قتل القاضى الخازندار ونسف محكمة الاستئناف واغتيال على ماهر والنقراشى.ولكن لأسباب تكتيكية عدل الأخوان عن العنف تاركين هذا الدور للجماعات الاسلامية التى خرجت من عباءتهم.

وظن الأخوان انهم قاربوا من تحقيق هدفهم بقيام ثورة 1952 وكان عبد الناصر مواليا لهم ولكن تباطؤه فى تنفيذ أجندتهم لتطبيق الشريعة أدى الى أن يصطدموا به محاولين اغتياله فى حادث المنشية بالاسكندرية لينجو من الموت ثم ينكل بهم ويضع قادتهم فى السجون.

وفى عهد السادات ظنوا أيضا انهم حصلوا على مرادهم لميوله الاسلامية ولأنه أخرجهم من السجون ليساعدوه على تمكين حكمه ضد الناصريين والشيوعيين. ولكن مرة أخرى يختلفوا معه عندما وقع معاهدة كامب دافيد مع اسرائيل ويغتالوه فى حادثة المنصة فى 6 اكتوبر سنة 1981.

جاء بعد ذلك الرئيس مبارك الذى شهد عصره تغولهم فى المجتمع من خلال أسلمة مصر بحيث لا تخطىء العين ملاحظة مظاهر التدين فى ملبس النساء ومظهر الرجال واللغة المتبادلة بين الناس. وكان عاملا فى هذا اكتشاف البترول فى شبه الجزيرة العربية ذهاب المصريين للعمل فى السعودية ودول الخليج والعودة الى مصر وهم معبئون بالفكر البدوى ومبادىء الوهابية الأصولية. وكان مبارك حريصا على عدم الصدام معهم ياتباع سياسة الحزم واللين وعقد الصفقات. بل وكان النظام يجند السلفيين ليعملوا لصالح أمن الدولة (ولا عجب انهم كانوا وقتها يحرمون الخروج على طاعة الحاكم) وقد رايناهم فى موضوع كاميليا شحاتة ينظمون نحو 15 مظاهرة عنيفة ضد الكنيسة ويدوسون صورة قداسة البابا بالاقدام، هذا بينما كان ضباط أمن الدولة يراقبونهم من بعيد دون تدخل.

ويبدو ان هذه الفترة كانت تجميع قوى التيارات الاسلامية سواء كانت جماعة الأخوان أو الجماعات الأصغر منها مثل السلفيين وأنصار السنة المحمدية وغيرها. ولا شك ان هذا قد تم بتمويل دول الخليج وعلم النظام. ومن المؤكد أنه أيضا قد تم بتأييد قوى عالمية قصيرة النظر لها تأثيرها.

وعندما قامت ثورة 25 يناير 2011 جاءت فرصة الاسلاميين ليركبوها ويحققوا حلمهم عندما استفردوا بالثورة وتمكنوا من اسقاط النظام. وعندئذ تبين لنا قوة هذه التيارات التى كانت تعمل فى صمت بالتاثير على طبقات المجتمع الفقيرة وبالذات طبقة الأميين الذين يمثلون حوالى 40% من سكان مصر. وكانت طريقتهم هى اشباع الفم وتقديم العلاج والمال ودعم السلع للفقراء ومعها بث المبادىء الاسلامية المتشددة وتاكييد مبدأ أن الاسلام هو الحل لمشاكلهم التى تفاقمت فى عصر مبارك.

اتضح أن لهذه التيارات الاسلامية تاثيرا على المجتمع أكبر مما نتصور وتم اختبار قوتهم فى نجاحهم الكبير لاقرار التعديلات الدستورية التى قام بها المستشار طارق البشرى مؤيدا فيها التوجهات الاسلامية فى الدستور والتى أيدها الناخبون بنسبة 77% ضد 23% فيما عرف بغزوة الصناديق.

ولكن الضربة القاضية كانت بلا شك هى فوز الاسلاميين الساحق بأغلبية مقاعد مجلس الشعب. وانعقدت أولى جلسات المجلس حيث رأينا لمحات لما ينذر به هذا المجلس فى المستقبل فحاول بعض الاسلاميون أن يضيفوا للقسم ما لا يوجد فيه وهوالتزامهم بالشريعة. هذه السطوة جعلت المجلس العسكرى يعمل حسابهم ويحرص على مراضاتهم وقيل أنه عمل صفقة يقبل فيها مقاسمة السلطة معهم. وسرعان ما وجدنا صوتهم يعلو مطالبين بتغييرات فى المجتمع منها منع القبل فى الأفلام وتغطية التماثيل الأثرية وفرض قيود على السياح. وترددت تعبيرات تنعت المسيحيين بالكفر والمطالبة بعدم بدءهم بالتحية أو مجاملتهم فى الاعياد. واجبار المجتمع المصرى على اتباع نهج خاص فى الملبس والسلوك تفرضه عليهم جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى نصبت نفسها حامية للفضيلة.

ولعل خاصية هامة كانت السبب فى نجاح الأخوان وهى العمل من خلال خطط مرحلية محكمة وفى كتيب نشر سنة 2010 يحدد الخمسة مراحل القادمة على أنها 1- اعداد الذات 2- تغيير الاسرة 3- تغييرالمجتمع 4-تاسيس حكم اسلامى فى البلد 5- تأسيس دولة الخلافة فى العالم.

وفى مصر اقترب الأخوان من الوصول الى المرحلة قبل الأخيرة والآن تداعبهم فكرة المرحلة الأخيرة وهو تأسيس دولة الخلافة. وبدأنا نسمع هذا فى تصريحات قادتهم ففى 10 يناير 2012 وجه أحمد أبو سيف دعوة لتأسيس دولة الخلافة فى مصر بينما اعترض السلفيون على ذلك واشتبكوا معهم.

وهذه نقطة هامة تستحق ان نقف عندها وهى ان كانت التيارات الاسلامية قد توغلت فى أعماق المجتمع المصرى ويصعب اقتلاعها. ولكن لعل الدواء يكمن فى الداء. فهذه التيارات ليست دائما متفقة على منهج واحد وهى تعارض وتكفر الواحدة الأخرى وقد يكون فى هذا صمام الأمان.

Mounir.bishay@sbcglobal.net

 

فى الحلقة القادمة الأخيرة من هذه السلسلة سنناقشها باذن الله:

4-اكتشفنا أن الفساد فى المجتمع المصرى أكبر من النظام السابق وأقوى من الثورة التى جاءت بعده.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :