د. نهاد أبو القمصان
تقدم الأزهر الشريف بمقترح قانون للأحوال الشخصية، ما أثار ردود فعل متباينة ما بين الرفض من حيث المبدأ أن يتقدم الأزهر بمقترح وما بين مناقشة ما قدمه الأزهر، وهنا لا بد من الوقوف عند عدة نقاط:
الأولى: هل يحق للأزهر أن يتقدم بمشروع قانون؟ يحق لأى فرد اقتراح أى قانون، لكن الأزهر كمؤسسة لم يوفق فى هذه الخطوة، فإن كان الدستور أعطاه الحق فى المشورة فى المسائل الدينية، إلا أنه كان من الأوفق الوقوف عند حد المستشار فى مراجعة القوانين، أما أن يتصدى للأمر بنفسه فهو قد وضع نفسه طرفاً فى المعركة، وعليه ألا يغضب من المناقشة الجادة وأحياناً الغاضبة، التى عادة ما تمس صاحب المقترح بسوء، لأنه بالتأكيد هناك مواد لن يكون عليها اتفاق وتهدد مصالح شخصية لبعض الفئات، فإذا دخل أرض الملعب فلا يجب التمسك بمكانة خاصة وعليه تقبل النقد أياً كان.
ثانياً: هل قانون الأحوال الشخصية هو شأن دينى؟ فى حقيقة الأمر ربما يوجد بعض الأحكام تنظمها قواعد دينية، ولكن أغلب الأحكام هى معاملات دنيوية، فمثلاً تنظيم النفقة والإنفاق، فإذا كانت شأناً دينياً وتقع المسئولية على الأب، لماذا تنفق النساء من أموالها على الأسرة؟ بل إن ثلث الأسر تنفق عليها النساء بلا معين، وما علاقة الدين بتنظيم مواعيد التقاضى، ولماذا لم يتدخل الأزهر بمقترح تشريعى لحماية حقوق النساء فى الميراث؟ وهو ما نص عليه القرآن بأنه «حدود الله»، ولا تحصل 90% من النساء عليه، ومن ثم الادعاء أن الأحوال الشخصية شأن دينى خالص يحتاج إعادة تدقيق.
ثالثاً: بمراجعة مشروع الأزهر نجد أنه محبط للغاية، فمن المتوقع إذا تصدى الأزهر أن يقدم رؤية فكرية عصرية تعلى مقاصد الشريعة وتحفظ حقوق الناس، لكن مشروع القانون ليس له رؤية فكرية ومنهجية ولا حتى واضح الغرض منه، هل ينطلق من بناء الأسرة على المودة والرحمة والشراكة بين الزوج والزوجة وحماية الأطفال، أم مبنى على السلطة المطلقة من جانب طرف والقيد الشديد على طرف آخر حتى لو أدت لضياع حقوق الأطفال؟ فلم يضع أى قيود على الطلاق من جانب الرجل، فبكلمة واحدة تهد الأسر وتشرد الأطفال، كذلك لم يضع أى قيود على تعدد الزوجات الذى يؤثر بالسلب على الأطفال ويعرضهم لمخاطر شديدة، بل ولم يعتبر التعدد فى حد ذاته ضرراً وإنما على الزوجة إثبات تضررها من الزواج بأخرى - المادة 61، بينما الخلع من جانب المرأة جعل الآجال القانونية تزيد، ما يمد أمد الدعاوى لأكثر من عام رغم تنازلها عن كافة حقوقها للهروب من جحيم علاقة فى الغالب شديدة الظلم والعدوان.
رابعاً: بمراجعة القانون نجد آثار معركة بين واضعى القانون، البعض حاول مواكبة العصر، والبعض أخذ المجتمع لأكثر من ألف عام للخلف، نجد المقترح أشرك المرأة فى الإنفاق - المادة 94 وهو ما يحدث فى الواقع، وغير ترتيب الحضانة حيث قدم الأب - المادة 99، وهو أمر جيد، لكن البعض الآخر لم ير للأم أى دور فى اتخاذ قرارت متعلقة بحماية أموال أولادها القصر «فى مجتمع تصل الأسر التى تعيلها المرأة إلى ما يقرب الثلث»، حيث لم يضع الأم مع الأب فى الولاية على أموال أولادها القصر - المادة 105 وجعل الولاية للأب ثم الجد، مما أثبت الواقع أنه تعريض أموال القصر للضياع، فمن الأولى بحماية أموال الأولاد، الأم التى ترعاهم وتعمل لتنفق عليهم وتسجن أحياناً «كالغارمات» من أجل أولادها، أم الجد أو العم الذى لا يعلم عنهم شيئاً؟ كان أولى أن تكون الولاية على المال للأب والأم أولاً، وذلك لما للولاية من أثر ليس فقط فى حدود المال وإنما فى كافة المناحى فى حياة الطفل من صحة وتعليم وغيرهما، ولم يكتف المقترح بذلك بل ألغى الولاية التعليمية للأم، وهو الأمر الذى انتزع بعد نضال طويل لإنقاذ الأطفال من أن تكون حياتهم الدراسية أداة تنكيل، فكان كثير من الآباء إما أن يسحب الملف الدراسى، ولا يرسل الطفل للمدرسة، أو يغير نظام التعليم أو ينزل بالمستوى أو يغير عنوان المدرسة من محافظة إلى أخرى، فكيف يتم إلغاء نص يحمى مستقبل الأطفال فى المادة 103؟
خامساً: كان الأحرى بالأزهر إذا تصدى لتقديم مقترح قانون للأحوال الشخصية أن يكون ثورة فى العدالة والإنصاف والمساواة، وأن يستند على ما له من مكانة روحية فى تقديم تفسير جديد لقضايا عدة منها الولاية والقوامة، وذلك أسوة بالعديد من الدول العربية والإسلامية، فالمدونة المغربية للأسرة نصت فى مقدمتها «أن الولاية حق للمرأة الراشدة»، لكن الأزهر لم يقدم رؤية حتى تتوافق مع الواقع، فببلوغ الشابة 21 عاماً تستطيع أن تكون عضو مجلس محلى وتوقع عقد شركة مساهمة وشركة أموال، وببلوغها 25 تستطيع أن تكون عضوة برلمان تشرع للناس، لكن ورغم ذلك فى مقترح الأزهر والمقترحات الأخرى، لا تستطيع أن توقع عقد زواجها، تؤتمن كعضو مجلس إدارة أو عضو منتدب لشركة قابضة تدير مليارات بحجم ميزانيات دول، لكن لا تؤتمن على اختيار شريك للحياة أو إدارة بيتها وأموال أطفالها، هل هذا ما يريده الأزهر؟
إذن فليستعد الجميع للخروج من الزمان وباتساع الفجوة بين ما يعتقده البعض ديناً وبين حياة ومصالح الناس.
نقلا عن الوطن