محمد حسين يونس
أنشودة التقدم المزعوم تبدأ بلحن افتتاحى عن الفراعنة والأهرامات والمعابد والشعب الذى علم الدنيا الحضارة ( رغم إهمال هذه الآثار ومعاداة هذا التاريخ عمليا ) تعزفه أبواق الدعاية للتمويه على حالة الاحباط والشعور بالتدنى ، ثم تستمر الانشودة بكورال أجهزة الدولة عن إنجازات الحكم ورجاله العظماء ، الذين بدونهم كانت نهاية هذه الأمة محتومة مثل ليبيا و سوريا و اليمن ...(أنظر حولك برعب و خذ العبر ).
أنشودة الانجازات هذه تحولت بمرور الزمن ،الى عائق سالب للوعى بمدى التخلف ومانع للتخلص منه ، بحيث أصبح التغيير غير وارد فى مفردات لغة المصرى الحديث ، حاكما كان أو محكوما ، فالتغيير قد يفقد رجال السياسة والدين واقتصاد'>الاقتصاد والفن والدعاية وكرة القدم إمتيازاتهم وقدرتهم على التحكم فى توجهات الشعب ،فتحولوا بحكم مصالحهم الى مضادات للتقدم وأعداء لكل جديد ومحبطين للابداع والتطور.
رجال الدين يرون ان الابداع ضلاله وكل ضلالة فى النار ، ورجال السياسة يبحثون عن إستقرار وسكون شبيه بالموت.
واقتصاد'>الاقتصادى يسهل عليه التسول والحصول على قروض وفرض ضرائب ورسوم عن تطوير أساليب و أدوات إدارة الانتاج .
والفن والدعاية مسموح لهم بأن يصفقوا فقط للحكام ، ويجملوا واقع أليم لقبول ما لا يمكن قبوله .
فى مصر أصبحنا نعد من الأمم التي تحظي دائما بالمراكز قبل الأخيرة حتى فى مجال لعبة كرة القدم ( إدارة ولعبا وتشجيعا)
ولكن المصيبة أننا لا نعى ما وصلنا اليه من إنحدار أفقدنا الحافز على السعى للتغيير فى عالم تخلى سكانه عن التمسك بالثوابت فى كل مجال ، و يؤجج الابداع فيه ... بالمنافسة والصراع
فهل نفيق.. يا سادة نحن أمة توقفت عن ملاحقة ركب التقدم بكل المقاييس ، أسلوب عملنا بدائي.. اقتصادنا عاجزمتدهور .. فننا هابط .. برلماننا صورى .. وزراؤنا موظفين .. علماؤنا عجزة .. تعليمنا متدهور .. صحتنا غير محمية .. طرقنا مدمرة .. منازلنا منهارة .. أقسام الشرطة مخجلة بما يحدث بها .. مواصلاتنا مزدحمة .. أكلنا ملوث ..والبشر متواكلون على حكومة ضاع منها خيوط التحكم .
لا علم .. لا فن .. لا ثقافة .. لا ذوق .. لا تعليم .. لا صحة .. لا محافظة على كنوز الماضى .. لا توظيف للطاقات الانتاجية .. لا اهتمام بالنظافة .. لا تأمين ضد الكوارث .. لا تنظيم للأسرة .. لا توافق فى الأزياء والملابس .. لا عناية بالأطفال والشيوخ .. لا أدب فى التعامل مع الكبار .. لا قراءة .. لا موسيقى محترمة .. فما الذى بقى لهذا الشعب الذى نراه متصارعا في المتروهات تحت الأرض ..ليدعى انه ليس متخلفا عن زمنه .
حتى التكافل الاجتماعى أصبح وسيلة للتربح والكسب ..
الترفيه إنحسر فى زيارات مكوكية للجزيرة العربية .. ميكروفونات مزعجة .. كلاكسات لسيارات يقودها فتوات .. عداء للأشجار والخضرة وإعتداء على الأرض الزراعية التى تتآكل لصالح كردونات المدن .. حرق قمامة وتلويث هواء .. ألفاظ منتقاة فى الانحطاط يتداولها على الملأ الصغار قبل الكبار.. التحرش بالسيدات والفتيات فى الشوارع وأماكن العمل والترفيه والأسواق .. إعلانات كاذبة تشعل الشعور بالدونية .. أغنياء منعزلين فى مجتمعات مغلقة محصنة ومحروسة .. ماذا بقى ؟
انتخابات مزورة ، وناخبين مرتشين ماديا أو معنويا او مدفوعين بواسطة البوليس والأمن .. تبادل الاتهامات بين الديانات والملل المختلفة .. قسوة على الحيوانات حتى فى حديقة الحيوان .. حرائق لا تطفأ فى الوقت المناسب ، ومرضى لا تسعف فى الوقت المناسب وقمامة متناثرة فى كل مكان ، وقوات بوليسية مرصوصة فى الشوارع لساعات بدون سبب إلا تأمين مرور مسئول لدقائق .
كل المؤشرات اقتصاد'>الاقتصادية العالمية تشير بأننا لسنا بعيدين عن التدهور ، مجمل الناتج القومى،الميزان التجارى المائل دائما لصالح الاستيراد ،مستوى دخل الفرد المنخفض ،استهلاك اللحم ، استهلاك الكهرباء، حالات وفاة الأطفال ، التسرب من التعليم ، انتشار الأوبئة ، ضآلة المعاشات ، تجميد النقابات .. صحافة وإذاعة وتليفزيون غير موثوق بها ومهجورة لصالح الفضائيات والانترنت ، فهل نحن شعب يمكن ألا يحتاج الى تغيير جذرى!!
سأناقش خلال البوستات القادمة ..تفاصيل أسباب التخلف عن زمننا ( سلطة القوى الكبرى – الخطاب الدينى – الحكم العسكرى ) ثم سننتهي إلي هل من الممكن الخروج من دوامته الخبيثة ((إلي اللقاء غدا )) .