د.مراد وهبة يكتب
البحث عن الطريق استغرق حواراتنا -نظير جيد وأنا- في مقهي محطة مصر مكاننا المختار.
وكان السؤال: من أين نبدأ؟ وكان الجواب: من المجمع المقدس المكون من أساقفة ومطارنة هم في الأصل رهبان وعددهم محدود وغير قابلين للعزل, وبالتالي فإنك إذا أردت التخلص من أحدهم بسبب فساد ما, فعليك الانتظار حتي يغادر هذه الحياة الدنيا, خاصة وأن كتاب الدسقولية الذي هو عبارة عن قوانين الكنيسة, به عبارة تقول: رئيس شعبك لا تقل فيه كلمة سوء.
ومع ذلك فالبديل الصالح ليس مضمونا في مناخ كنسي محكوم بظاهرة السيمونية.
ومن هنا كان السؤال: هل من طريق آخر؟ وكان جواب نظير جيد: ثمة طريق آخر وهو مضاعفة عدد أعضاء المجمع المقدس, إلا أن هذه المضاعفة ليست ممكنة إلا بمضاعفة الإيبارشيات وذلك بتقسيم محافظات مصر, بذلك يمكن رسامة أساقفة ومطارنة جدد علي الإيبارشيات الجديدة.
ثم استطرد نظير جيد قائلا: ويمكن أيضا رسامة أساقفة عموم, أي أساقفة بلا إيبارشيات.
وهنا قلت لنظير: مثل لما تقول. قال: أسقف للتعليم الديني وأسقف للخدمات العامة.
وهنا أبديت تحفظا علي هذه الفكرة في سياق تحكم ظاهرة السيمونية, إذ يظل الوضع القائم من دون إحداث التغيير المطلوب, وعندئذ لمعت فكرة في عقل نظير جيد, قال: إذن نتجه إلي خدام مدارس الأحد ونحرضهم علي الرهبنة ثم نختار منهم بعد ذلك من يكون صالحاص لإحداث التغيير المنشود, وقد كان, إذ تمركز هذا التحريض في مدارس الأحد بكنيسة الأنبا أنطونيوس حيث كان نظير جيد من روادها الكبار إلي الحد الذي كان ينظر إليه علي أنه شخصية كاريزمية.
وبدأ نظير جيد بنفسه فتردد علي دير السريان حيث كان يقيم أبوه الروحي الراهب الأب متي المسكين. وفي أحد أيام شهر يونية من عام 1954 طلب لقاء عاجلا, وقد كان. وفي هذا اللقاء قال لي: جاءتني منحة من ألمانيا الغربية لنيل درجة الدكتوراه في اللاهوت, وفي الوقت ذاته أريد أن أكون راهبا.
قلت: أنا أوثر المنحة علي الرهبنة لأنها فرصة لكي تحدث تجديدا في اللاهوت الأرثوذكسي. ثم استطرد كل منا في تبرير انحيازه, أنا منحاز إلي دكتوراه في اللاهوت, وهو منحاز إلي الرهبنة.
وفي 18 يوليو من ذلك العام ذاته أصبح نظير جيد راهبا وقبل أن يكون ذلك كتب قصيدة وهو في طريقه إلي الدير وي عبارة عن تأمل في درجة من درجات السواح الذين يعيشون تائهين في البراري ولا يعرف العالم عنهم شيئا فيتفرغون تماما إلي الله:
أنا في البيداء وحدي وليس لي شأنا بغيري
لي جحر لي في شقوق التل قد أخفيت جحري
وسأمضي منه يوما ساكنا ما لست أدري
تائها أجتاز في البيداء من قفر لقفر
ليس لدي دير فكل البيد والآكام ديري
لا ولا سور فلم يرتاح الأسوار فكري
أنا طير في الجو لم أشغف بوكري
أنا في الدنيا طليق في إقامتي وسيري
يبقي بعد ذلك تنويه وهو أنه في 9 سبتمبر 1962 تمت رسامة القس أنطونيوس السرياني (نظير جيد) أسقفا للإكليريكية والمعاهد الدينية باسم الأنبا شنودة, والقمص مكاري السرياني أسقفا للخدمات العامة والاجتماعية باسم الأنبا صموئيل.