أمينة خيري
"كده برضه يا مصر؟" رددت السؤال عشرات المرات طيلة رحلة قصيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ما إن تذكر عبارة "أنا من مصر"، خاصة في الولايات البعيدة عن واشنطن ونيويورك، حتى تباغتك الأسئلة الراغبة في معرفة المزيد. هؤلاء لا يسألون عن الأحوال السياسية، و"داعش"، والربيع العربي المنقلب خريفًا. الغالبية في تلك الولايات غير مسيسة، باستثناء السياسات الداخلية التي لا تخرج عن إطار التأمين الصحي وصيانة الطرق وتحديد الضرائب وتحسين الخدمات وغيرها.

يشاهدون صورًا من سيوة والغردقة وشرم الشيخ وأسوان والأقصر ودهب والجونة، وتبدأ في سماع تأوهات الإعجاب والانبهار. لاحظت أنني أركز في كل الكلام على تلك الوجهات، وأبتعد تمامًا عن القاهرة والإسكندرية. عقلي الباطن أصبح يفعل ذلك رغمًا عني في سفري في السنوات القليلة الماضية.

هذه المرة سئلت غير مرة عن القاهرة. وفي كل مرة أتلعثم وأقول: "من الأفضل بدء الزيارة بجنوب سيناء أو أسوان والأقصر" أو "ولماذا القاهرة؟ لديكم نيويورك، ولا أعتقد أنكم في حاجة إلى صخب المدن الكبرى في رحلة كهذه".

لكن الحقيقة أنني أبذل جهدًا جبارًا لأثني السائلين عن فكرة زيارة القاهرة أو الإسكندرية، خاصة في حال كانوا من السيدات والفتيات.

ماذا أقول لهن؟ سيتحرش بكُنّ كلُ من هبّ ودبّ! وإن نجوتن من التحرش فلن تفلتن من النظرات القاتلة الفاحصة المتمحصة. وفي حال أفلتن من هذه وتلك، فلا محيص من تعليقات ساخرة لزجة أو نكات سخيفة تلطش.

والحقيقة أن آخر ما سمعته في مطار القاهرة قبل سفري هذه المرة كان تعليقات متبادلة بين أمين شرطة وموظفة أمن يسخران فيها من سائحتين أوروبيتين متقدمتين في السن. ولأن السائحتين لم تلتزما بمقاييس الأيزو التي يفرضها المجتمع على من تعدت سنها الـ50 عاماً من ألوان قاتمة وإهمال متعمد للمظهر والقوام، فقد وجد الأمين والعاملة في الألوان المبهجة والشعر المصفف بعناية والروح المرحة في السيدتين مادة دسمة للهئ هئ والهأ هأ. "إيه اللي عاملاه في نفسها الولية ده؟".. "تخيل إنت الحاجة نازلة من بيتها كده!" وهلمّ جرًا.

سنوات ما بعد ربيعنا الخريفي في يناير 2011 شهدت أفولا سياحيا كبيرًا لأسباب نعرف أغلبها. وأثناء هذه السنوات شب جيل لا يعرف ألف باء معاملة السياح، وتُرِكت أبواب التطرف الديني مفتوحة على مصاريعها، حيث تحقير الأجانب، ولا سيما النساء.

والتحم التطرف الديني بالانفلات السلوكي والأخلاقي لينجم عنهما قنبلة مجتمعية رهيبة.

هذه القنبلة أدت إلى ما بات يعرف بالفقاقيع المعيشية التي دخل فيها القادرون عليها ماديًا: عزلة تعليمية ومعيشية وترفيهية عن بقية المجتمع.

وإذا أضفنا إلى ذلك فوضى المرور الرهيبة المهيبة واختفاء الأرصفة إلى آخر قائمة مكونات الحياة اليومية، ماذا نقول، إذن، لمن يسألنا عن زيارة القاهرة أو الإسكندرية، والتمتع بالمشي في شوارعها، وزيارة الأماكن الأثرية... إلخ؟

هل تسرد لهم ما نكتبه في موضوعات الإنشاء في حصة اللغة العربية، أم تخبرهم بأنه من الأفضل تأجيل زيارة القاهرة والإسكندرية لأن لدينا أزمة أخلاقية وسلوكية رهيبة "عملت قفلة" مع هوجة تطرف ديني شديدة؟!

أقدر تماماً جهود الدولة للترويج للسياحة. وأعجبت جدًا بعدد من الحملات الترويجية التي تبث في قنوات عالمية لتشجيع السياح على الزيارة. لكن لا أنكر أيضًا أنه في كل مرة تلوح فرص عودة السياحة إلى القاهرة (ومعها الإسكندرية)، أو يطرح أحدهم أسئلة جادة في هذا الشأن بهدف التخطيط لزيارة، أضع يدي على قلبي وأجدني ممزقة مشتتة بين تمني ازدهار السياحة والرعب مما قد يتعرض له القادمون وقبلهم القادمات من تجارب قد نندم عليها.
نقلا عن مصراوى