سحر الجعارة
يعرف القانون المدنى بأنه عبارة عن «مجموعة من القواعد التى يضعها مشروع ما لتنظيم تعاملات الأفراد مع بعضهم البعض، وينظم الروابط القانونية المالية -فيما عدا ما يتعلق منها بالتجارة- والشخصية الخاصة بعلاقات الأفراد بعضهم مع بعض». وهو بهذا التعريف ينظم نوعين من العلاقات الخاصة للأفراد: المعاملات المالية، والأحوال الشخصية.
وقانون «الأحوال الشخصية» هو فى الأساس قانون مدنى ينظم «علاقة شرعية»، ووثيقتا «الزواج والطلاق» هما تنظيم من «الدولة» لضوابط تلك العلاقة وحقوق كل طرف فيها، أما دور «المرجعية الدينية»، أى «الأزهر الشريف»، فى سن القوانين، فتقتصر على بيان الحلال من الحرام، كرأى استشارى وملزم لجهة التشريع، وهى «مجلس النواب».. كما تعد أحكام محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا بمثابة القانون.
هذه المقدمة لازمة وضرورية للحديث عن قانون الأزهر للأحوال الشخصية، وهنا سأعود لبداية العام، حيث كتبت فى جريدة «الوطن» مقالاً بعنوان: «المرجعية الدينية تمارس دور ولاية الفقيه» ونُشر بتاريخ 28 يناير 2019.. تساءلت فيه عن أحقية الأزهر فى إعداد القوانين، بعدما دار صراع بين نواب مجلس الشعب ومشيخة الأزهر حول مواد القوانين المقترحة.. توقفت فى هذا المقال حول تصريح فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب» بقوله إن «شيخ الأزهر ليس مشرِّعاً فى قانون الأحوال الشخصية والأزهر ليس مشرِّعاً، المشرِّع هو مجلس النواب»، ثم فجأة أعلن الأزهر عن إعداد قانون جديد لـ«الأحوال الشخصية وأحكام الأسرة» والانتهاء من صياغة 40 مادة من مواده.. زادت بالقطع عند طرح القانون، خاصة بعد أن غيّر الدكتور «الطيب» موقفه 180 درجة، وظهر على الشاشة ليقول: «حين يتصدى الأزهر لمشروع قانون الأحوال الشخصية فهو يزاول عمله وواجبه الأول بحكم الدستور وبحكم القانون وحتى بحكم العامة هنا».. وقلت إن الصراع قد احتدم، فبعدما كان أعضاء مجلس النواب يتعجلون رأى الأزهر فى مشروع قانون الأحوال الشخصية أصبح لكل طرف قانون، وكأنها مباراة الفائز فيها يمتلك «السلطة التشريعية» بالمخالفة للدستور، لأن الأزهر يفتئت على السلطة التشريعية المستقلة!
وقتها شنّ النائب «محمد فؤاد» هجوماً حاداً على الأزهر قائلاً: «إنه لا يليق بمؤسسة الأزهر أن تحتكر القوانين التى تُقدَّم إليها، وتشرِّع قانوناً من تلقاء نفسها». وأضاف النائب: «هناك خيط رفيع جداً بين المرجعية الدينية وبين ولاية الفقيه، والأزهر هنا دوره إبداء الرأى الشرعى فقط».
ثم عاد الجدل والصراع من جديد بعد أن تقدم الأزهر بقانونه إلى مجلس النواب، ولكن بحسب تصريحات «السيد الشريف»، وكيل مجلس النواب، فلم يصل أى مشروع خاص بالأحوال الشخصية حتى الآن من الحكومة أو الأزهر إلى المجلس.
أما الدكتور «أسامة العبد»، رئيس اللجنة الدينية، عضو مجمع البحوث الإسلامية، فقال إن «الأزهر هو صاحب الاختصاص الأصيل فى إعداد هذا المشروع، لأنه المرجع الرئيسى فى كل الأمور الدينية (!!)».. وهذا خلط شديد من النائب الموقر بين «التشريع والمرجعية الدينية».
فى حين قال النائب «محمد أبوحامد»، وكيل لجنة التضامن بمجلس النواب: «حتى الآن لم نعرف تفاصيل عن مشروع الأزهر، فليس من سلطته إعداد مشروع وتقديمه للبرلمان، وإنما مشروعه يعرض على الحكومة، ولها القرار بالأخذ من مواده أو تجاهله بالكامل». أما الدكتور «محمد فؤاد»، الذى سبق له أن وصف قانون الأزهر للأحوال الشخصية بأنه ممارسة لـ«ولاية الفقيه»، فيبدو أنه قبِل بالولاية وقرر مناقشة مشروع القانون المقدم من الأزهر، وانتقد إغفال القانون لقضايا مهمة مثل سن الحضانة، وترتيب الحاضنين، والرؤية، والاستضافة.. ثم عاد لينتقد المشروع قائلاً: «إن فلسفة التجديد فى مشروع الأزهر غير موجودة، والصياغة العامة ركيكة للغاية، فهو ببساطة أخذ المشروع القديم ووضع عليه بعض الإضافات المثيرة للجدل، أبرزها أنه خلط بين الولاية على النفس والمال»!
إذن فرغم الجدل والصراع ومواد مشروع القانون المقدم من الأزهر ستجد اعتراضاً ما أو تحفظاً حتى من المؤيدين لقانون الأزهر للأحوال الشخصية.. لكن ما يهمنا هنا هو أن مجرد تشكيل لجنة من «المؤسسة الدينية» لإعداد مشروع للأحوال الشخصية هو تغوُّل على السلطة التشريعية، ومخالفة دستورية فجة، ومد نفوذ المؤسسة الدينية الرسمية لفرض هيمنتها الدينية على كل ما هو «مدنى».. بحيث يصبح المجتمع المدنى مفخخاً بالفتاوى الرسمية التى لها حجية القانون!
لقد أعاقت فتاوى الأزهر «نقل الأعضاء» لعدة قرون ولا نعرف ذنب الموتى فى رقبة مَن، وأحلت «ختان الإناث» لعقود أخرى حتى صدر قانون بتجريمه بعد فتوى بأنه «ليس سُنة ولا فرضاً».. وبرَّر كثير من علماء الأزهر «تكفير الأقباط وسبى النساء ووطء البهيمة ومفاخذة الصغيرة.. إلخ» ولم يحاسبهم أحد!
آن الأوان لأن نتجاوز سطوة الدولة الدينية وميراثها المتخم بفتاوى القتل والنحر باسم «الجهاد».. ويكفى أن شيخ الأزهر نفسه امتنع عن تكفير تنظيم «داعش» الإرهابى رغم أن العالم أجمع على ذلك وهلل لمقتل زعيمه «البغدادى».
كفانا خلطاً للأوراق، فسياسة «السطو على السلطات» عار على رجال الدين!
نقلا عن الوطن