سحر الجعارة
هل انتهى تنظيم «داعش» الإرهابى بموت زعيمه أو «الخليفة المزعوم- أبوبكر البغدادى»؟.. الحقيقى لا بكل أسف، فبحسب ما ذكره المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن القيادى الداعشى «عبدالله قرداش» هو من سيتولى خلافة «البغدادى» بعد مقتله فى غارة أمريكية بريف إدلب بسوريا، و«قرداش» هو وزير «التفخيخ والانتحاريين» داخل التنظيم، ويصنف بأنه من أقسى وأشرس قادة تنظيم داعش.. كما أن الأمر لا يتعلق برأس التنظيم فحسب، بل بأيديولوجية التنظيم وثروته ومنهجه فى المرحلة الأخيرة بعد طرد التنظيم من آخر جيوبه فى شرق سوريا وهزيمته فى «معركة الباغوز»، منتصف هذا العام، على يد «قوات سوريا الديمقراطية».

بعدها عاد «البغدادى» بصورته القميئة إلى المشهد مجدداً.. بعدما ترددت أنباء كثيرة عنه، ما بين إصابته وتسمُّمه ومقتله، وفى الوقت نفسه كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد رصدت 25 مليون دولار لمن يدلى بمعلومات تساهم فى القبض عليه.. بعد آخر ظهور له فى عام 2014.. وأهمية هذا التسجيل المصور، الذى نشره التنظيم عبر تطبيق «تليجرام»، أن «البغدادى» شدد على أن مقاتلى التنظيم «سيأخذون بثأرهم»، وأكد «البغدادى» على صراع بين (أمتين: أمة الصليب وأمة الإسلام)، وهذا هو صميم استراتيجية التنظيم.

كان الهدف من ظهور «البغدادى» هو تجميع كوادره ومصادر تمويله من جديد، وتحريض المتعاطفين مع التنظيم بقتل رعايا دول الائتلاف المناهض لـ«داعش» فى سوريا وفى أى مكان، دون العودة إلى قيادة «داعش» أو حتى الانضمام إليه تنظيمياً.. وهو ما أظهر ما يسمى خلايا «الذئاب المنفردة»، التى كان أشهرها فى مصر «محمود شفيق» منفذ عملية تفجير الكنيسة.. وهو ما يسمى فى أدبيات «الجهادية التكفيرية» الخلايا العنقودية أو «اللامركزية».. وبالتالى فالتنظيم باق طالما ظل التمويل متوفرا.

فإذا ما أتينا للتمويل فليس لدينا إلا آخر تقرير للخبير فى شؤون «اقتصاد الإرهاب» الأمريكى «تشارلز بريسد»، فى عام 2016، والذى قال فيه إن تنظيم «داعش» هو أغنى تنظيم إرهابى فى العالم، حيث تقدر ثروته بتريليونى دولار، أما دخله فنحو 2٫9 مليون دولار فى السنة معظمه من بيع البترول والغاز، وأيضاً من حصيلة أموال الضرائب والرسوم التى فرضها التنظيم على المناطق التى كان يحتلها فى سوريا والعراق، فضلاً عن عمليات تهريب التحف وأموال الفدية!.

نأتى الآن إلى شهادة «محمد على ساجت»، عديل «أبوبكر البغدادى» والمرافق الشخصى له، والذى اعتقلته المخابرات العراقية قبل شهرين وساهم فى كشف مخبأ زعيم تنظيم «داعش»، وانفردت قناة «العربية» بالتسجيل معه، حيث قال إن المرافق الأمنى للبغدادى فى أيامه الأخيرة كان شقيقه «حازم»، وإن «البغدادى» كان خائفا ولم يكن يستخدم الهاتف طوال تنقله، بل كان يتنقل مع 5 أشخاص فقط يثق بهم، منهم عراقيون وآخرون عرب.

وأكد «ساجت» أن «البغدادى» كان ينفق الملايين على أمنه الشخصى، لدرجة أنه فقد 25 مليون دولار فى صحراء الأنبار، حيث تم العثور عليها من قبل رعاة الأغنام!.

وكشف «ساجت» أن زعيم التنظيم كان يتنقل بين سوريا والحدود العراقية، ويعيش فى سرداب تحت الأرض تتوفر فيه كل كماليات الحياة: (بقينا تحت الأرض 9 أيام فى نفق طوله 8 أمتار، كنا مع البغدادى وكانت إحدى زوجاته معنا).. وقد كشف «ساجت» عن عدد من المخابئ التى يتواجد فيها «أبوبكر»، وقال إنه كان يرتدى حزاما ناسفا ما دام يتنقل.

الرجل الذى نشر الإرهاب فى العالم بأكمله، وكان يتحكم فى وقت ما فى مصير سبعة ملايين شخص على امتداد أراض شاسعة فى سوريا وما يقارب من ثلث مساحة العراق، وعلم التنظيمات الإرهابية الوحشية وعمليات (الذبح والنحر والرجم)، وتجنيد الأطفال عبر الإنترنت وترويع الأبرياء.. هو نفسه الرجل الذى كان يعيش كفأر مذعور ومطارد لكن فى ثوب «زعيم».. كان مصاص دماء اختطف براءة الأطفال وسبى النساء وأسقط الأوطان واستولى على ثرواتها باسم «الجهاد».. ونجح فى نشر «ثقافة داعش» فى دول كانت وسطية ثم أصبحت تطنطن بالجهاد وتحلل سبى النساء.. وتعتبر الأراضى والأعراض والأموال وبيوت العبادة «غنائم حرب» لكل أصحاب الديانات الأخرى!.

وقد ترك لنا «البغدادى» فرقًا منظمة وجاهزة للقتل الممنهج وحرق الأوطان بنيران الإرهاب، إنهم «الدواعش العائدون» هذا الحزام الناسف الذى يطوق بلادنا.. وخلايا نائمة تسمى «الانزواء النشط».. وأخرى مكلفة بالعودة إلى بلدانهم لتشكيل مجموعات إرهابية جديدة.

لقد انتهت حياة «البغدادى» بسبب خيانة فى صفوف التنظيم، والخيانة لا يبررها إلا «الصراع على السلطة والثروة» داخل تنظيم «داعش».. رحل «البغدادى» تلاحقه اللعنات وبقى «التنظيم» ليحصد الأرواح ويحتل الأوطان ويتاجر بـ«الجهاد»!!.
نقلا عن المصرى اليوم