فاطمة ناعوت
المصريّاتُ المدهشاتُ يكسرن التوقّعَ ويرسمن بريشات التفوّق آياتٍ مدهشات من المجد على شاشات العالم. يحملن علمَ مصرَ العظيم، وفى لحظات الفوز، يرفرف العلمُ الجميلُ فى العلا؛ فخورًا ببنات مصر المُشرقات المُشرّفات. فى بطولة «الأساتذة» العالمية للسباحة، المعقودة قبل أيام فى كوريا الجنوبية، فى سباق (٢٠٠ متر) للسبّاحين الأساتذة الواقعة أعمارهم بين ٧٠-٧٤ عامًا، كان لنا اثنتان من جميلات مصر بطلات السباحة العالمية؛ وحصدتا لمصر ميداليات عالمية؛ لتضيفا إلى لوحة الشرف المصرية كلمتين جديدتين. سهير العطّار: أستاذة الطب فى جامعة القاهرة، نجوى غراب: أستاذة اللغة الفرنسية وفنّانة تشكيلية، سمكتان ذهبيتان مصريتان ممشوقتان، أضافت السنواتُ على جسديهما مزيدًا من التناغم والرشاقة، وشكّلت العقودُ السبعة على خارطة روحيهما نغماتِ سحرٍ وفلسفاتٍ ومعارفَ وتكتيكًا رفيعًا فى فنون السباحة، جعلت منهما ربَّتين من ربّاتِ البحار، تفخر بهما مصرُ. فى المياه الكورية، اخترقتا اللجاج مثل سهمين مارقين، وعادتا لمصرَ بالمجد والفرح.
أناشدُ الرئيس عبد الفتاح السيسى بتكريم هاتين الجميلتين لأنهما تعطيان دروسًا عظيمة للمواطن المصرى.
أولًا: «رسالة معجزة مصر». فقد قدّمت المصريتان الجميلتان للعالم رسالةً ناصعة تقول إن مصر تخوض معاركَ عديدة فى جبهات عدّة، فى الوقت ذاته، تواجه مصرُ الإرهابَ الأسود وتواجه الحقدَ القطرى والتركى الذى يقذف سهامَه المسمومة فى قلب مصر، وفى الوقت ذاته تُشيِّد نهضتَها وتشدو أوبراها وتفتح مسارحُها ستائرَها، وتعمل قواها الناعمة بكامل قوتها، ويفوزُ أبناؤها بالمراكز العالمية فى المسابقات الدولية. تلك معجزة مصر الخاصة: تحاربُ الإرهاب بيدٍ، وباليد الأخرى ترفع عصا المايسترو، ومسطرة المهندس، وقلم الأديب.
وثانيًا: «رسالة المرأة المصرية المدهشة». رسمت الجميلتان صورة مشرقة للمرأة المصرية الرياضية التى لا تتفوق فى الرياضة وحسب، بل تبزُّ أقرانها ونظراءها فى دول العالم الأول.
وثالثًا: «رسالة أكذوبة خريف العمر». فقد قدمتِ المصريتان الجميلتان دليلًا دامغًا على أن عُمرَ الإنسان، ليس إلا رقمًا على ورق. بينما يكمنُ الشبابُ فى العقل والروح. فثمّة شابٌّ عمره مائة عام، وثمّة عجوزٌ هَرِمٌ عمره عشرون عامًا. جميلتان تجاوزتا السبعين، تحصدان الميداليات العالمية فى السباحة، وترقصان فوق صفحة الماء مثل باليرينات ساحرات.
لدينا، نحن المصريين، وكذلك العرب، علاقةٌ مغلوطة بفكرة «العُمر». ننظرُ باستهانة للشباب، وننظرُ باستهانة للمُسنّين. نرى الشباب غير ناضج بما يكفى لتحمّل المسؤولية، ونرى المسنّين عبئًا على المجتمع، فى نظرة قميئة مُعادية للتقدّم فى العمر. ونقرنُ العمل والتفوق بمرحلة منتصف العمر فقط!! ميراثٌ ضخمٌ يحاربُ التقدم فى العُمر كأنه خطيئة! لا سيّما إن كان المُسنُّ امرأة! وميراثٌ عربىٌّ قديم يسخرُ من طلب العلم فى الكِبَر! كأن المعرفةَ وحصد خبراتٍ جديدةٍ مقرونٌ بعُمر محدد. وكأن المعرفة كمٌّ محدود من المعلومات مخبأ فى حقيبة، يفتحها الصغيرُ فى سنواته الأولى ليرى ما بها، ثم يغلقها ويرميها فى النهر، بمجرد أن يكبر ويشبَّ! ونرى فى ذلك، المَثَل المصرى (المحبِط): «بعد ما شابْ، وَدّوه الكُتّاب»! يعنى: أبعدما وَخَطَ الشَّيبُ رأسَه، يذهب إلى الكُتّاب؟! والكُتّابُ مكانٌ يدرس فيه الصغارُ أصولَ اللغة والقرآن فى القرى المصرية، قبل سنّ التعليم الإلزامىّ. ومن ذلك أيضًا: «التعلُّم فى الصِّغر، كالنقشِ على الحجر. والتعلّم فى الكِبَر كالحرث على الماء». فالتعلّم صغيرًا، ثابتٌ دامغٌ، وهذا صحيح، بينما التعلّم كبيرًا، زائلٌ سرعان ما ينمحى كما تنمحى الخطوطُ التى نرسمها بعصا على صفحة الماء، بمجرد رفع العصا، وهذا خاطئ. ويثبتُ التاريخُ أنْ ليس من سنّ محددة لتعلّم الإنسان معارفَ جديدة وحصد الأمجاد. إنما الوقتُ المناسب للتفوق هو كاملُ المدة التى يقضيها الإنسانُ فوق الأرض، أى كامل عمره. Never to late to …. لم يفتِ الوقتُ أبدًا لأى شىء. والحقُّ أن الغرب يُطبّق تلك القاعدة بإتقان. فلا نندهش حين نطالعُ فى صحف الغرب أخبارًا عن مُسنّين ذهبوا ليتعلَّموا فنونًا ومعارفَ جديدة. مثل التى ذهبت لتتعلم التطريز وفنَّ تنسيق الزهور وهى فى الثمانين، أو ذلك الذى فاز فى السبعين، فى مسابقة تسلّق الجبال، أو تلك التى قررت العزْفَ على البيانو فى التسعين، أو الزوجين المُسنّين اللذين جابا العالم على دراجتيهما، وغيرهم الكثير!
تحية احترام لهاتين السيدتين العظيمتين، ولكلّ امرأة جميلة خَطَتْ بحذائها فوق ثقافة بالية تدحضُ العزيمة، وتركن إلى الكسل مادام العمرُ يركض نحو محطّته الخريفية الجميلة، وأعلَتْ، بدلَ ذلك، المثلَ الغربىَّ الذى يحثّ على التفوّق، مادام فى العمر لحظة. وفى هذا يقول رسول الله: «إن قامتِ الساعةُ وبيد أحدكم فسيلةٌ، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسَها، فليفعل». صدق رسول الله (ص). فلا تصدقوا أن للعمر خريفًا. ودائمًا: «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».
سهير العطار... نجوى غراب... أكذوبةُ الخريف
نقلا عن المصرى اليوم