بقلم /ماجد كامل
أهتم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين اهتماما شديد بضرورة دراسةالآثار'> الآثار المصرية واللغات القديمة ؛ لما لهما من دور كبير في تعميق الهوية والشخصية المصرية ؛ " . ففي مقال هام نشر في جريدة السياسة بتاريخ 12 يولية 1923 ؛تحت عنوان "مدرسة اللغات القديمة أيضا " قال فيه " بين يدي الآن التقرير النهائي للجنة الجامعية الحكومية ؛ أقرأ فيه ما كتب عن درسالآثار'> الآثار في هذه الجامعة ؛ وكانت وزارة المعارف قد ألفت لدرس هذا الموضوع لجنة لا بأس بها ؛وكان أعضاء هذه اللجنة الأستاذ المسيو "لاكو" مدير مصلحةالآثار'> الآثار المصرية والأستاذ المسيو "فوكار" مدير المعهد الأثري الفرنسي في مصر وصاحب السعادة عبد الحميد باشا مصطفي وصاحب السعادة أحمد كمال باشا وأنفصل عن اللجنة صاحب العزة علي بك بهجت مدير دارالآثار'> الآثار العربية . أقرأ تقرير هذه اللجنة الخاصة عن درسالآثار'> الآثار في جامعة الحكومة فأري أن هذه اللجنة قد نصت صراحة علي أن الفصل بين درس اللغات ودرسالآثار'> الآثار غير معقول ولا مفيد ؛ وقضت في صراحة علي هذه الفكرة التي كانت تريد أن تنشيء مدرسة تشبه مدرسة اللغات أو مدرسة الألسن تدرس فيها اللغات دونالآثار'> الآثار . الحق أني لم أكن قد قرأت هذا التقرير عندما كتبت المقالة الأولي فلما قرأته اليوم لم تزدني إلا إيمانا وتثبيتا واغتباطا بما كان من اتفاقي في الرأي مع لاكو وفوكار وكمال وكلهم فني متقن للآثار المصرية واللغة المصرية ؛ وازددت أذن إيمان وتثبيتا وأصرارا علي أن وزارة المعارف تخطيء الطريق وتتجاوز القصد حين تنشيء مدرسة للغات القديمة تلحقه بمدرسة المعلمين العليا ؛ لأن اللغة الهيروغليفية كما قلت ليست لغة تدرس لنفسها ؛ وإنما هي لغة تدرس لقراءةالآثار'> الآثار ؛وقراءةالآثار'> الآثار وحدها لا تفيد لأن هناك آثارا كثيرة غير مكتوبة ولا بد من اصطناعها وتفهمها إذا أردنا أن نفهم تاريخ مصر القديم ؛فلابد أذن من أن ندرس فنونالآثار'> الآثار علي اختلافها بحيث يكون طلابنا قادرين علي أن يستخدمواالآثار'> الآثار جميعها لدرس التاريخ المصري سواء من هذهالآثار'> الآثار ما كتب وما لم يكتب ؛ والغريب في هذا الأمر أن كمال باشا أمضي هذا التقرير ووافق علي النص الذي يحظر الفصل بين درس اللغة ودرسالآثار'> الآثار ؛ وهو مع هذا الامضاء وهذه الموافقة ؛ وضع المشروع العقيم الذي نحاربه حربا صريحة لأننا نعتقد أنه غير نافع وأن شره أكثر من خيره ....... نعم أن وزارة المعارف تخطيء الطريق وهي تعلم أنها جربت درس الهيروغليفية حين أنشأت في مدرسة المعلمين درسا لهذه اللغة وكلفت كمال باشا القيام بهذا الدرس ففشل الدرس ولم ينته بوزارة المعارف إلي نتيجة ؛ وهي الآن تعيد هذه التجربة التي فشلت ؛ وتعيدها في طريقة أوسع وأشد تعقيدا ؛ فشلت في درس الهيروغليفية فتريد أن تفشل فيه مرة أخري وأن تفشل في اليونانية واللاتينية والقبطية لأنها تريد أن تدرس هذه اللغات كما درست الهيرغليفية في تجربتها الأولي "."
وفي اليوم التالي مباشرة ؛ وبتاريخ 13 يولية 1923 ؛ يكتب في نفس الجريدة مقالا بعنوان "وجه الصواب في درسالآثار'> الآثار " قال فيه "ليس من المنفعة ولا من الحق في شيء أن يكون في مصر أغني متحف لتاريخ الفراعنة وتاريخ مصر أيام اليونان والرومان ؛ وأغني متحف لتاريخ مصر في العصر الإسلامي ؛ وإلا تكون في مصر مدرسة نافعة منتجة حقا تدرس فيهالآثار'> الآثار المخزونة في المتاحف والمنبثة في أقطار البلاد ؛ ليس من الحق ولا المنفعة أن تملأ مصر بالآثار وأن تخلو مصر من مدرسة للآثار ؛ فإذا أرادت مصر أن يكون من أبنائها عالم بالآثار أوفدته إلي مدرسة اللوفر في باريس أو إلي المتحف البريطاني في لندن أو إلي غيرهما من المعاهد في فبينا وبرلين . ليس من الحق ولا المنفعة أن تخلو مصر من هذه المدرسة ؛ فإذا أشتد إلحاح مصر في أن تنشأ هذه المدرسة خدعتها وزارة المعارف عن هذه الأمنية بدروس تلقي في مدرسة للمعلمين حول الهيروغليفية وبعض اللغات القديمة لا تنفع ولا تفيد ..... وإنما الحق والمنفعة أن تقدر وزارة المعارف حاجة مصر ومنفعة مصر وكرامة مصر؛ وأن تنشيء هذه المدرسة التي تستخزي مصر بأنها غير قائمة فيها ؛ والتي أن أنشأتها وزارة المعارف لم تكلفها من النفقات شيئا كثيرا . تعني وزاارة المعارف في مشروعها العقيم بدرسها اللغة الهيروغليفة وتخدع الناس فتزعم أن لهم أن أستاذ هذه اللغة سيزورون المتحف المصري ويقومون فيه بشيء من التمرين وسيسحون في أقطار مصر فيرونالآثار'> الآثار علي أختلافها ؛ ولكنا نلفت وزارة المعارف إلي أن هذه الزيارات لن تنفع لأنها لن تكون من الاطراد والاستمرار بحيث تمكن الطلاب من أن يتعرفوا هذهالآثار'> الآثار أثرا أثرا ؛ ويتقنوا هذه الفنون المختلفة التي تعلمهم تعيينها وترتيبها وضروب الاستفادة منها ؛ وحسبك أن ميزانية كمال باشا تخصص للسياحة خمسين جنيها !!! وهو مقدار لا يكفي لسياحة فرد واحد في مصر العليا أثناء الشتاء فكيف بطلبة كثيرين وأستاذ كثير الحاجات ! ولكن في الأمر ما هو شر من هذا ؛فقد تكون العناية بالآثار الفرعونية واجبة ولكن هناك عناية أخري ليست أقل من هذه وجوبا وهي العناية بالآثار العربية الإسلامية ؛ العناية بما في دارالآثار'> الآثار العربية وبهذه المساجد والعمارات المنبثة في أقطار مصر وغير مصر والتي يتقن الأوربيون العلم بها ونختلف نحن إليها كثيرا دون أن نعرف من أمرها شيئا ؛ العناية بهذه النقوش العربية المختلفة التي تمثل تاريخ الإسلام وحظ دول الإسلام من الحضارة والرقي الفني ؛ فماذا عملت وزارة المعارف للعناية بالفن العربي والآثار الإسلامية ؟ وماذا أعدت وزارة المعارف للعناية بهذا الفن وهذهالآثار'> الآثار ؟ وما لوزارة المعارف لم تستشر بهجت بك في إنشاء مدرسة أو قسم في مدرسة المعلمين تدرس فيه هذهالآثار'> الآثار ؛ ويخرج لنا طلابا يشعرون بأن هناك نقوشا عربية عني الأوربيون بجمعها وتفسيرها ونجهلها نحن الجهل كله ؟ .......ولو أن الله وفق وزارة المعارف إلي الخير لهداها إلي إنشاء مدرسةالآثار'> الآثار التي تدرسالآثار'> الآثار المصرية الفرعونية وآثار مصر أيام اليونان والرومان وآثار مصر في العصر الإسلامي ؛ والتي لا تمضي عليها أعوام حتي نتجاوزالآثار'> الآثار المصرية إليالآثار'> الآثار الأخري السامية وإليالآثار'> الآثار الأخري غير السامية فتصبح معهدا من المعاهد الأثرية المعدودة في العالم كما ينبغي أن يكون الأمر في مصر التي ألتقت فيها الحضارت المختلفة والتي لا يعرف العالم تاريخا إلا وله فيه آثر ما ...... صدقني ياوزارة المعارف أن الحق عليك لمصر أن تنشيء أولا وزارة للفنون ومن الآداب تجمع للمتحف المصري ودارالآثار'> الآثار العربية ودار الكتب المصرية والأوبرا الملكيةومدارس الفنون علي اختلافها ؛ فإذا تم إنشاء هذه الإدارة وتنظيمها؛ استطعت أن تستشير "لاكو و"بهجت " وأعوانهما الفنيين في إنشاء مدرسة يدرس فيها المصريون وغير المصريينالآثار'> الآثار المصرية وغير المصرية ".
ثم عاد الدكتور طه حسين وكرر هذه الدعوة في مقال هام نشر في جريدة السياسة بتاريخ 3 ديسمبر 1923 ؛ بعنوان " مدرسةالآثار'> الآثار " قال فيه " سمعنا ونرجو أن يكون ما سمعناه حقا أن تصور الوزارة لهذه المدرسة قد تغير تغيرا تاما فلم تصبح مدرسة لغات ليس غير كما كانت في الصيف الماضي ؛بل أصبحت مدرسة آثار قبل كل شيء أي أنالآثار'> الآثار تدرس فيها لنفسها وللتاريخ بينما تدرس فيها اللغات من حيث هي وسائل لفهمالآثار'> الآثار ونصوص التاريخ ؛ثم لا يقف الأمر عند درسالآثار'> الآثار ودرس اللغات ؛ وإنما يتناول علوما وفنونا أخري لا بد منها أن أراد أن يختص في هذا القسم من أقسام البحث العلمي الحديث ؛ فسيدرس فيها التاريخ القديم ودرس اللغات وإنما يتناول علوما وفنونا أخري لا بد منها أن أراد أن يختص في هذا القسم من أقسام البحث العلمي الحديث ؛ فسيدرس فيها التاريخ القديم وتدرس فيها الجغرافيا القديمة ؛ والذي يعنينا بنوع خاص هو نظام الدرس في هذه المدرسة ؛فقد سمعنا أن الصباح من كل يوم سيخصص للدروس العملية ؛ أي لزيارة المتاحف والمكاتب والعمارت الأثرية ذات الخطر ؛ ويخصص المساء لدرس اللغات وللمباحث النظرية ........وربما أستبحت لنفسي أن الفت الوزير أو مكتبه الفني إلي مادتين لم أسمع لهما ذكرا بين المواد التي تدرس في هذه المدرسة وأظن أن درسهما لا بد منه ؛ الأولي علم الابتكرافيا اليونانية واللاتينية وهي التي يمكنك من أن تقرأ وتفهم النقوش اليونانية واللاتينية .... المادة الثانية هي علم البليوجرافيا ؛ وهو علم الخطوط وما أصاب حروفها من تطور علي اختلاف الأزمنة والأمكنة والظروف ولست في حاجة لأن أبين ضرورة هذا العلم الذي لا يستطيع المؤرخ ولا الأثري الاستغناء عنه ".
وفي عام 1944 ؛أنشأت وزارة المعارف إدارة جديدة أسمتها " مراقبة الثقافة العامة " وأختارت لرئاستها الدكتور طه حسين ؛ وفي حوار هام نشر في مجلة المصور بتاريخ 9 فبراير 1940 ؛ حول الغرض الرئيسي من هذه المراقبة ؛قال " وقد رأت الثقافة العامة أن دراسة التاريخ المصري القديم يكاد يكون محصورا علي الكتب ؛ فأقترحت أن يقوم رجال المتحف المصري ؛ودارالآثار'> الآثار العربية بإلقاء محاضرات فيهما علي المعلمين ليقوموا هم بإلقاء دروسهم علي طلابهم بين آثار هذين المتحفين ؛ وقد شرعت الوزارة في العمل بهذا الاقتراح ؛ويقوم رجالالآثار'> الآثار الفرعونية والعربية بإلقاء هذه المحاضرات " .