لماذا يتركنا أفضل من فينا؟ سؤال لا يبرح ذهنى!!
ماذا تفعل مؤسساتنا الطبية فى مصر- وبالأخص الحكومية منها- عندما يتركها أفضل أطبائها واحدًا تلو الآخر؟!
من يسأل عن النظام (الطارد) للأطباء المصريين، من يسأل عن الفرص الضائعة التى تُهدر فيها طاقات وإمكانات طبيب شاب يمكن أن يقدم خدمة طبية مميزة لوطنه؟
تحديدًا سأناقش معكم حالة واحدة لطالب طب متفوق.. قضى سنوات دراسته الست، ثم تبعها بعام الامتياز، ثم ثلاث سنوات نيابة! يُفترض بعد ذلك أن يتم تعيينه كمدرس مساعد، ثم مدرس، ثم أستاذ مساعد، ثم أستاذ!
المعلومات تقول إنه لسنوات الآن تتكرر المأساة بأن ينهى أولئك المتفوقون سنة الامتياز فقط.. ثم يصلهم الرد.. لا توجد لدينا «درجات» شاغرة! المقصود بها درجة وظيفية «معنوية» وراتب مادى زهيد لا يتعدى ثلاثة آلاف جنيه!!! ببساطة لا يوجد للشاطر مكان فى المنظومة الصحية بمصر! فجأة يجد هذا الشاب المتفوق نفسه (فى الشارع) رغم أن طموحاته لم تكن فى أجر عادل أو مستحق!! لا فالأطباء لم يعودوا يجرؤون على تلك المطالب للأسف!! لكن كان طموحه فى درجة وظيفية تضمن استمراره فى السلك الأكاديمى فى تخصصه، وفى نفس الوقت استمراره فى التعلم والممارسة داخل المؤسسات الطبية العريقة فى بلده، ومن المهم للقارئ أن يعرف أن الطبيب أثناء فترة نيابته يقدم خدمات طبية للآلاف من المترددين على المستشفيات الجامعية.. إنها وظيفة ورسالة وخدمة وكل شىء نبيل يمكن أن تسميه!!
لكن، وأتمنى أن يصحح لى المتخصصون، ما يحدث على أرض الواقع هو أن الطبيب يُترك بلا فرصة للاستمرار.. وتلتقطه المؤسسات الطبية الكبرى، فى إنجلترا وكندا تحديدا، بشروط بسيطة جدا وسهولة شديدة للاندماج فى النظام الطبى فى المؤسسات التى تعرف قيمة (طبيب- شاب- فى أوج فترة التعلم والطاقة).. فهو كفاءة متميزة بطبيعة الحال.. يسهل جدا أن تجد لها فرصة!!
وسط هذا المشهد العابث يقدم- من نجح فى الصمود منهم- كل يوم نماذج بطولية للأداء المشرف والعمل بأقل الإمكانات المتاحة والإنسانية فى التعامل مع المرضى!
والحقيقة أنه حتى التصريحات الأخيرة حول نقص الأطباء والعجز الواضح فى أعدادهم قُوبلت بحلول مهينة للأطباء.. فزيادة أعداد المقبولين فى كليات الطب ليست حلا عبقريا كما ظن من اقترحه! فالمشكلة ليست فى العدد.. إنما فى أسلوب إدارة الكفاءات!!
لكن سؤالى: إلى متى؟ إلى متى سنظل نعول على «مثالية المتميزين» وأن يقدموا ما هو فوق العادى وبعد الممكن والمتاح؟! إلى متى سنظل نتعلق بآمال فى قصص فردية للتميز.. دون أن يكون لدينا نظام واضح لاستيعاب المتميزين؟!
الحقيقة أنه حتى أولئك المتميزين نحن بأيدينا نتركهم عرضة لضغط رهيب بين خيارين متاحين طوال الوقت.. الهجرة أو الفساد!
وكلاهما ثمنه فادح على مصر كلها، والمرضى المصريين بشكل خاص!!.
نقلا عن المصرى اليوم