كتب : مدحت بشاي
قد يكون من المفيد التذكير بما ذهب إليه " مونتسكيو " في كتابه" روح القوانين" ، وهو ما نتعرف على وجوده حاليًا للتمييز بين ثلاث وظائف أساسية للدولة وهي : السلطة التشريعية- السلطة التنفيذية- السلطة القضائية.فالأولى متمثلة في البرلمان وهي التي تشرع القوانين داخل الحياة في الدولة.أما الثانية تتمثل في الحكومة والتي تكون بتنفيذ تلك القوانين , كما تعمل أيضا على توفير شروط الأمن للمواطنين.أما النوع الثالث فيتجلى دوره في تطبيق تلك القوانين وممارستها و هذا النوع الأخير كما يقول " مونتسكيو " هو الكفيل بضمان الأمن و الحرية. لهذا يذهب مونتسكيو الى الفصل بين هذه السلطات التي بدورها تحقق أهداف توفير الأمن والحرية والمساواة و أن تداخل هذه السلطات قد يؤدي إلى الجور والظلم وإهدار حقوق المواطنين وسلب حرياتهم. ولذلك وجب استقلال كل من السلطة التشريعية والسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية بحيث لا يجوز لهذه الأخيرة أن تصدر أحكاما كما لا يجوز لها أن تعرقل الأحكام التي أصدرها القضاء أو الحكومة.
من خلال مقال هام للكاتب الرائع " أسامة سلامة " أشار إلى 3 حوادث مختلفة وقعت الأسبوع الماضى ( بتوقيت نشر المقال ) يربط بينها انتهاك القانون!.. فى الأولى اعتدى أصحاب محل بقالة على متشرد حاول الحصول على علبة كانز عنوة، وضربوه حتى مات فى أيديهم، وفى الثانية تدخل عدد من أعضاء البرلمان ومحافظ عند وزير التعليم من أجل عدم حجب نتيجة لجنة بها غش جماعى فى امتحانات الثانوية العامة وحاولوا الضغط عليه لإعلان نتيجتهم بالمخالفة للقانون، وفى الثالثة اعتدى أحمد مجاهد عضو اتحاد الكرة على فتاة ضمن المتطوعين فى تنظيم الدورة الأفريقية لأنها اختلفت مع إحدى المشجعات التونسيات قبل مباراة تونس والسنغال، فى الحوادث الثلاث كان لأبطالها قانونهم الخاص الذى طبقوه بعيدا عن قانون الدولة ! ..
وعليه عنون كاتبنا المقال بــ" قانون الغابة " .. وسرد الكاتب بشاعات التفاصيل التي أرى أنها تحمل إشارات تنذر بالفعل بمخاطر شيوع ثقافة المجتمعات البدائية التي لم تكن تعرف معنى وجود أنظمة حاكمة تنظم العلاقات الإنسانية بفرض قوانين عادلة ، وآليات لتنفيذ أحكامها لتنتصر للمظلوم بعقاب الظالم ورد الحقوق إلى أصحابها.
و لاشك أن غاية الدولة تحقيق السلم العام..لقد جعلت الطبيعة الناس أحرارًا و متساويين ؛ غير أن هذا التساوي لا يتحقق مع حالة الطبيعة التي تقوم على اساس الحرب الدائمة والفوضى و الخوف ،وهذا ما يؤدي إلى فناء الجنس البشري .
وعليه ، كان على الإنسان البحث عن معاون له ليعيش حالة توفر له الأمن واستقرار الظروف من حوله في سلام و طمأنينة .. وفي هذا الصدد قام " هوبز " بتوصيف حالة الطبيعة بأنها حالة حروب و نزاعات بين الأفراد ، وهي التي أطلق عليها " حرب الكل ضد الكل " ..
ولمجابهة حالة انتشار ممارسات العنف والفوضى و العيش بلا ضوابط ، كان الإنتقال بتجمعات الناس الى مجتمع الدولة المنظمة . والوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الإنتقال هو التعاقد الإجتماعي الذي يضمن السلم والأمن بوجود حاكم يكون خارج هذا العقد حيث يتنازل الأفراد برضاهم عن بعض حقوقهم الطبيعية لفائدة الحاكم قصد تحقيق المنفعة العامة . وهذا التوافق بين الشعب و الحاكم ادى الى نشوء الدولة . والحاكم في نظر " هوبز " لا يمكنأ ن يكون من بين صلاحياته وحقوقه اتخاذ قرارات أو تبني مواقف تخالف ياتي بتصرف يخالف المصلحة العامة لهؤلاء البشر ، وعليه يفرض تصور " هوبز " الخضوع التام لهذا الحاكم المقترض فيه الرشد والنزاهة والعدالة ...
وأعود بعد التذكير بتلك المعطيات والتعاريف النظرية إلى ما طرحه " أسامة سلامة " من تخوفات من استشراء ثقافة وسلوكيات سلبية فوضوية تدفع بالبعض إغفال وجود دولة لديها مؤسسات تشريعية وقضائية و تنفيذية هي المنوط بها إقامة العدالة وتحقيق الأمن ، فيقرروا ما يتصورونه أنه استرداد للحقوق وإقامة للعدالة !!
ولكن ، وبالإضافة لمخاطر مثل تلك الظواهر ، فإن الأمر الأغرب والمزعج ويستحق التناول بالدراسة من قبل المراكز البحثية الاجتماعية ، أنه وفي مقابل الحماس والدافعية المجنونة لاسترداد الحقوق الشخصية والعائلية بعيدًا عن الأجهزة المعنية هناك حالة غريبة من الإهمال والتراخي والتقاعس عن الدفاع جق المجتمع و الغير من الجماعات البشرية في العيش قي شارع مصري نظيف منضبط مشرف آمن.