الحوادث علي كافة أشكالها باتت مادة شبه يومية تهز أركان هذا المجتمع, سواء كانت حوادث عارضة أو حوادث إجرامية أو حوادث إرهابية… وفور وقوع أي حادث تهرع قوات الأمن ومعها أجهزة التدخل السريع والإغاثة مثل المطافي والإسعاف للسيطرة علي الموقف وتتبعها مباشرة أجهزة البحث الجنائي والتحقيقات التي تتولي تمشيط مسرح الحادث بحثا عن أية أدلة تشير إلي طبيعته وإذا كان هناك فاعلون يقفون وراءه لتعقبهم والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة.
ومن الوسائل التي فرضتها التكنولوجيا الحديثة وباتت عنصرا لا غني عنه لأجهزة البحث الجنائي كاميرات التصوير التي تثبت في المباني -داخليا وخارجيا- وفي المنشآت علي مختلف طبيعتها وفي الطرق والمرافق لتسجل سائر الأشخاص والتحركات التي تحدث في نطاق تغطيتها بالصوت والصورة, مما يسمح بالتعرف علي أي محاولات للتعدي علي الأماكن أو اختراقها أو اقتحامها والهدف من وراء ذلك سواء كان السطو أو التدمير أو الاعتداء علي الأشخاص أو خلافه من كافة السلوكيات الإجرامية أو الإرهابية.. هذا بخلاف الكاميرات التي توضع علي الطرق لتسجل حركة المرور ومدي انضباطها وما قد يعتريها من مخالفات وما يقع عليها من حوادث.
تكنولوجيا كاميرات التصوير هذه ليست جديدة علي عالمنا ولعلنا جميعا نعرف منذ زمن أنها موجودة في جميع المنشآت المهمة والمستهدفة من المجرمين والخارجين علي القانون, مثل البنوك والمؤسسات المتعاملة في النقد وكذلك محال المجوهرات والمتاحف والمطارات والموانئ ومحطات السكك الحديدية.. وغيرها.. وغيرها من المرافق والمنشآت المهمة المعرضة للاعتداءات أو المستهدفة من الأعمال الإجرامية والإرهابية.. وقد امتدت هذه التكنولوجيا مؤخرا لتشمل سائر دور العبادة من مساجد وكنائس.. بل امتدت أيضا لتركب في كثير من الطرق والأماكن العامة.. وأخيرا صارت من الأنظمة الأمنية التي تركب في المساكن الخاصة والفيللات والقصور داخل المنتجعات التي انتشرت في المدن الجديدة والتجمعات العمرانية.
لكن كل هذا الرصيد من تكنولوجيا كاميرات التصوير يقف قاصرا عن تحقيق الأمن والأمان وينحصر دوره في توفير المعلومات التي قد تساعد في فحص مسرح الحادث أو الجريمة بعد وقوعها واستفحال أثرها الإجرامي أو التدميري أو الإرهابي والكشف عن ملابساتها والأشخاص المشتبه في ضلوعهم في حدوثها, الأمر الذي يسمح للأجهزة الأمنية بتعقبهم والبحث عنهم وتقديمهم إلي العدالة.. لكن كل ذلك يكون في إطار اقتفاء أثر العمل الإجرامي بعد حدوثه وليس التدخل لمنع حدوثه.
والفارق بين فك طلاسم العمل الإجرامي بعد حدوثه وبين التدخل المسبق لمنع حدوثه فارق حيوي وخطير وهو الذي يميز المجتمعات المتقدمة عن المجتمعات الساعية إلي التقدم, فالعبرة في المجتمعات المتقدمة بالنسبة للأمان لا تنحصر في القبض علي الخارجين علي القانون والمجرمين بعد أن يلحقوا الضرر والدمار والترويع بالمجتمع, إنما تستهدف بالأساس الرصد المسبق والتدخل السريع للحيلولة دون حدوث الضرر أو الدمار أو الترويع.
وفي هذا الإطار تبرز الحاجة الماسة إلي تطبيق الأنظمة الأمنية التي لا تكتفي بتركيب الكاميرات في كل حدب وصوب, إنما تتخذ من الوسائل لربط تلك الكاميرات بشاشات مراقبة وغرف عمليات وأنظمة تحذير تسمح بالتقاط أية إشارات لنشوب حريق أو لمحاولات اعتداء أو اقتحام مع القدرة علي تحريك قوات للتدخل السريع تهرع إلي نقاط التحذير للعمل علي منع الضرر أو الجريمة.. لست أتحدث عن خيال علمي أو عن تكنولوجيا معقدة بعيدة المنال, لكني أتحدث عن وسائل أمنية باتت مألوفة ومنتشرة في كل بيت سكني ومبني خدمي ومرفق حيوي في ما أطلقت عليها المجتمعات المتقدمة.. فهل نصبو إلي أن نبلغ هذه الدرجة من تحقيق الأمن والأمان؟.. وندرك هذه المرتبة من منع الجريمة قبل وقوعها؟.. أو نكتفي بموقعنا ضمن المجتمعات الساعية إلي التقدم؟!!